صفحة رقم ٤٩
ذي زرع يعني ليس فيه زرع، لأنه واد بين جبلين جبل أبي قبيس وجبل أجياد وهو واد بمكة عند بيتك المحرم سماه محرماً لأنه يحترم عنده ما لا يحترم عند غيره، وقيل : لأن الله حرمه على الجبابرة فلم ينالوه بسوء وحرم التعرض له والتهاون به، وبحرمته وجعل ما حوله محرماً لمكانه، وشرفه وقيل : لأنه حرم على الطوفان بمعنى امتنع منه وقيل : سمي محرماً لأن الزائرين له يحرمون على أنفسهم أشياء كانت مباحة لهم من قبل وسمي عتيقاً أيضاً لأنه أعتق من الجبابرة أو من الطوفان.
فإن قلت : كيف قال عند بيتك المحرم ولم يكن هناك بيت حينئذ، وإنما بناه إبراهيم بعد ذلك.
قلت : يحتمل أن الله عز وجل أوحى إليه وأعلمه أن هناك بيتاً قد كان في سالف الزمان، وأنه سيعمر فلذلك قال عند بيتك المحرم، وقيل : يحتمل أن يكون المعنى عند بيتك الذي كان ثم رفع عند الطوفان وقيل : يحتمل أن يكون المعنى عند بيتك الذي جرى في سابق علمك أنه سيحدث في هذا المكان ) ربنا ليقيموا الصلاة ( اللام في ليقيموا متعلقة بأسكنت يعين أسكنت قوماً من ذريتي، وهم إسماعيل وأولاده بهذا الوادي الذي لا زرع فيه ليقيموا أي لأجل أن يقيموا أو ليكي يقيموا الصلاة ) فاجعل أفئدة من الناس ( قال البغوي جمع الموفد ) تهوي إليهم ( تحن وتشتاق إليهم.
قال السدي رحمه الله : أمل قلوبهم إلى هذا الموضع وقال ابن الجوزي أفئدة من الناس أي قلوب جماعة من الناس فلهذا جعله جمع فؤاد قال ابن الأنباري : وإنما عبر عن القلوب بالأفئدة لقرب القلب من الفؤاد فجعل القلب والفؤاد جارحتين.
وقال الجوهري : الفؤاد القلب والجمع أفئدة فجعلهما جارحة واحدة ولفظة من في قوله من الناس للتبعيض، قال مجاهد : لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم فارس والروم والترك والهند.
وقال سعيد بن جبير : لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال أفئدة من الناس فهم المسلمون تهوي إليهم قال الأصمعي : يقال هوى يهوي هوياً إذا سقط من علو إلى أسفل وقال الفراء تهوي إليهم تريدهم كما تقول : رأيت فلاناً يهوي نحوك معناه يريدك وقال أيضاً تهوي تسرع إليهم، وقال ابن الأنباري : معناه تنحط إليهم وتنحدر وتنزل هذا قول أهل اللغة في هذا الحرف وأما أقوال المفسرين وقال ابن الأنباري : معناه تنحط إليهم وتنحدر وتنزل هذا قول أهل اللغة في هذا الحرف وأما أقوال المفسرين فقال ابن عباس : يريد تحن إليهم لزيارة بيتك وقال قتادة تسرع إليهم.
وفي هذا بيان أن حنين الناس إليهم، إنما هو لطلب حج البيت لا لأعيانهم، وفيه دعاء للمؤمنين بأن يرزقهم حج البيت ودعاء لسكان مكة من ذريته بأنهم ينتفعون بمن يأتي إليهم من الناس الزيارة البيت فقد جمع إبراهيم عليه السلام في هذا الدعاء من أمر الدين، والدنيا ما ظهر بيانه وعمت بركاته ) وارزقهم من الثمرات ( يعني كما رزقت سكان القرى ذوات الماء والزرع فيكو المراد عمارة قرى بقرب مكة لتحصل تلك الثمار، وقيل يحتمل أن يكون المراد جلب الثمرات إلى مكة بطريق النقل والتجارة فهو كقوله تعالى يجبى إليه ثمرات كل شيء.
وقوله تعالى ) لعلهم يشكرون ( يعني لعلهم يشكرون هذه النعم التي أنعمت بها عليهم، وقيل : معناه لعلهم يوحدونك ويعظمونك وفيه دليل على أن تحصيل منافع الدنيا، إنما هو ليستعان بها على أداء العبادات وإقامة الطاعات.
إبراهيم :( ٣٨ - ٤٣ ) ربنا إنك تعلم...
" ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " ( ) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ( يعني إنك تعلم السر كما تعلم العلن عما لا تفاوت فيه ؛ والمعنى أنك تعلم أحوالنا، وما يصلحنا وما يفسدنا وأنت أرحم بنا منا فلا حاجة بنا إلى الدعاء، والطلب إنما ندعوك إظهاراً للعبودية لك، وتخشعاً لعظمتك وتذللاً لعزتك وافتقاراً إلى ما عندك، وقيل : معناه تعلم ما نخفي من الوجد بفرقة إسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع وما نعلن