صفحة رقم ٥٤
إلى الحمرة ولهذا شبهها بقرصة النقى، وهو الخبر الجيد البياض الفائق المائل إلى حمرة كأن النار ميلت بياض وجهها إلى الحمرة وقوله : ليس به علم لأحد يعني ليس فيها علامة لأحد بتبديل هيئتها، وزوال جبالها وجميع بنائها فلا يبقى فيها أثر يستدل به والقول الثاني : هو تبديل ذوات الأرض والسماء وهذا قول جماعة من العلماء، ثم اختلفوا في معنى هذا التبديل فقال ابن مسعود في معنى هذه الآية قال : تبدل الأرض بأرض كالفضة بيضاء نقية لم يسفك بها دم، ولم يعمل عليها خطيئة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : الأرض من فضة والسماء من ذهب.
وقال أبيّ بن كعب في معنى التبديل : بأن تصير الأرض نيراناً والسماء جناناً وقال أبو هريرة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه عن أبي سعيد الخدري قال.
قال رسول الله ( ﷺ ) :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة ) أخرجاه في الصحيحين بزيادة فيه.
قال الشيخ محيي الدين النووي في شرح هذا الحديث : أما النزل فبضم النون والزاي ويجوز إسكان الزاي وهو ما يعد للضيف عند نزوله وأما الخبزة فبضم الخاء.
وقال أهل اللغة : هي الظلمة التي توضع في الملة يتكفؤها بالهمزة بيده أي يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتسوى لأنها ليست منبسطة كالرقاقة، وقد حققنا الكلام في اليد في حق الله سبحانه وتعالى وتأويلها مع القطع باستحالة الجارحة عليه ليس كمثله شيء، ومعنى الحديث أن الله سبحانه وتعالى، يجعل الأرض كالظلمة أي الرغيف العظيم وتكون طعاماً نزلاً لأهل الجنة والله على كل شيء قدير.
فإن قلت : إذا فسرت التبديل بما ذكرت فكيف يمكن الجمع بينه وبين قوله تعالى ) يومئذ تحدث أخبارها ( " وهو أن تحدث أخبارها، وهو أن تحدث بكل ما عمل عليها، قلت : وجه الجمع بين الآيتين أن الأرض تبدل أولاً صفتها مع بقاء ذاتها كما تقدم فيومئذ تحدث أخبارها ثم بعد ذلك تبدل تبديلاً ثانياً، وهو أن تبدل ذاتها بغيرها كما تقدم أيضاً ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه سلم عن قوله تعالى ) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ( فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله فقال :( على الصراط ) أخرجه مسلم وروى ثوبان بأن حبراً من اليهود سأل رسول الله ( ﷺ ) أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض قال :( هم في الظلمة دون الجسر ) ذكره البغوي بغير سند، ففي هذين الحديثين دليل على أن تبديل الأرض ثاني مرة يكون بعد الحساب والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
وقوله تعالى ) وبرزوا ( يعني وخرجوا من قبورهم ) لله ( يعني لحكم الله، والوقوف بين يديه للحساب ) الواحد القهار ( صفتان لله تعالى فالواحد الذي لا ثاني له، ولا شريك معه المنزه عن الشبه والضد والند والقهار الذي يقهر عباده على ما يريد، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
إبراهيم :( ٤٩ - ٥٢ ) وترى المجرمين يومئذ...
" وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب " ( قوله تعالى :( وترى المجرمين يومئذ مقرنين ( يعني مشدودين بعضهم إلى بعض يقال : قرنت الشيء بالشيء إذا شددته معه في رباط واحد ) في الأصفاد ( يعني في القيود والأغلال.
قال ابن عباس : يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة.
قال أبو زيد : تقرن أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم


الصفحة التالية
Icon