صفحة رقم ٦٥
اليابس، إذا تفخّر في الشمس ثم نفخ فيه الريح فكان بشراً سوياً قوله تعالى ) والجان خلقناه من قبل ( يعني من قبل آدم عليه السلام.
قال ابن عباس : الجان أبو الجن كما أن آدم أبو البشر.
وقال قتادة : هو إبليس.
وقيل : الجان أبو الجن وإبليس أبو الشياطين، وفي الجن مسلمون وكافرون يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم.
وأما الشياطين فليس فيهم مسلمون ولا يموتون إلا إذا مات إبليس.
وقال وهب : إن من الجن من يولد له ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين، ومن الجن من هو بمنزلة الريح لا يتوالدون، ولا يأكلون ولا يشربون وهم الشياطين والأصح أن الشياطين نوع من الجن لاشتراكهم في الاستتار، سموا جناً لتواريهم واستتارهم عن الأعين من قولهم : جن الليل إذا ستر والشيطان هو العاتي المتمرد الكافر، والجن منهم المؤمن ومنهم الكافر ) من نار السموم ( يعني من ريح حارة تدخل مسام الإنسان من لطفها، وقوة حرارتها فتقتله.
ويقال للريح الحارة التي تكون بالنهار : السموم.
وللريح الحارة التي تكمون بالليل : الحرور، وقال أبو صالح : السموم نار لا دخال لها والصواعق تكون منها، وهي نار بين السماء والحجاب، فإذا حدث أمر خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت به فالهدة التي تسمعون من خرق ذلك الحجاب وهذا على قول أصحاب الهيئة أن الكرة الرابعة تسمى كرة النار، وقيل : من نار السموم يعني من نار جهنم.
وقال ابن مسعود : هذه السموم جزء من سبعين جزء من السموم التي خلق منها الجان، وتلا هذه الآية.
وقال ابن عباس : كان ابليس من حي من الملائكة يسمون الجان خلقوا من نار السموم، وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وخلقت الملائكة من النور.
قوله عز وجل ) وإذ قال ربك للملائكة ( أي واذكر يا محمد : إذ قال ربك للملائكة ) إني خالق بشراً ( سمي الآدمي بشراً، لأنه جسم كثيف ظاهر البشرة ظاهر الجلد ) من صلصال من حمأ مسنون ( تقدم تفسيره ) فإذا سويته ( يعني عدلت صورته، وأتممت خلقه ) ونفخت له من روحي ( النفخ عبارة عن إجراء الريح في تجاويف جسم آخر، ومنه نفخ الرح في النشأة الأولى، وهو المراد من قوله : ونفخت فيه من روحي وأضاف الله عز وجل روح آدم إلى نفسه على سبيل التشريف والتكريم لها كما يقال بيت الله وناقة الله وعبد الله وسيأتي الكلام على الروح في تفسير سورة الإسراء عند قوله :( ويسألونك عن الروح ( " إن شاء الله تعالى ) فقعوا له ساجدين ( الخطاب للملائكة، الذي قال الله لهم : إني خالق بشراً أمرهم بالسجود لآدم بقوله فقعوا له ساجدين.
وكان هذا السجود تحية لا سجود عبادة ) فسجد الملائكة كلهم ( يعني الذين أمروا بالسجود لآدم ) أجمعون ( قال سيبويه : هذا توكيد بعد توكيد، وسئل المبرد عن هذه الآية فقال : لو قال فسجد الملائكة لاحتمل أن يكون سجد بعضهم فلما قال كلهم لزم إزالة ذلك الاحتمال فظهر بهذا أنهم سجدوا بأسرهم ثم عند هذا بقي احتمال آخر، وهو أنهم سجدوا في أوقات متفرقة، أو في دعة واحدة فلما قال : أجمعون ظهر أن الكل سجدوا دفعة واحدة، ولما حكى الزجاج هذا القول عن المبرد قال : قول الخليل وسيبويه أجود