صفحة رقم ٨٢
) ومنها جائر ( يعني ومن السبل سبيل جائر عن الاستقامة بل هو معوج فالقصد من السبيل هو دين الإسلام، والجائر منها دين اليهودية والنصرانية وسائر ملل الكفر، وقال جابر بن عبد الله : قصد السبيل بيان الشرائع والفرائض، وقال عبد الله بن المبارك وسهل بن عبد الله : قصد السبيل السنة ومنها جائر الأهواء والبدع ) ولو شاء لهداكم أجمعين ( فيه دليل على أن الله تعالى ما شاء هداية الكفار، وما أراد منهم الإيمان لأن كلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، فقوله ولو شاء هدايتكم لهداكم أجمعين وذلك يفيد أنه تعالى ما شاء هدايتهم فلا جرم ما هداهم.
قوله عز وجل ) وهو الذي أنزل من السماء ماء ( لما ذكر الله سبحانه وتعالى نعمته على عباده بخلق الحيوانات لأجل الانتفاع والزينة : عقبه بذكر إنزال المطر من السماء، وهو من أعظم النعم على العباد فقال : هو الذي أنزل من السماء.
يعني، والله الذي خلق جميع الأشياء هو الذي أنزل من السماء ماء يعني المطر ) لكم منه ( يعني من ذلك الماء ) شراب ( يعني تشربونه ) ومنه ( يعني ومن ذلك الماء ) شجر ( الشجر في اللغة ما له ساق من نبات الأرض، ونقل الواحدي عن أهل اللغة أنهم قالوا : الشجر أصناف ما جل وعظم، وهو الذي يبقى على الشتاء وما دق وهو صنفان أحدهما تبقى له أدوحة في الشتاء، وينبت في الربيع ومنها ما لا يبقى له ساق في الشتاء كالبقول، وقال أبو إسحاق : كل ما ينبت على وجه الأرض فهو شجر وأنشد :
٨٩ ( نطعمها اللحم إذا عز الشجر ) ٨٩ أراد أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض، وقال ابن قتيبة : في هذه الآية يعني الكلأ ومعنى الآية أنه ينبت بالماء الذي أنزل من السماء ما ترعى الراعية من ورق الشجر لأن الإبل ترعى كل الشجر ) فيه ( يعني في الشجر ) تسيمون ( يعني ترعون مواشيكم.
يقال : أسمت السائمة إذا خليتها ترعى وسامت هي إذا رعت حيث شاءت ) ينبت لكم ( أي ينبت الله لكم وقرىء ينبت على التعظيم لكم ) به ( أي بذلك الماء ) الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ( لما ذكر الله في الحيوان تفصيلاً وإجمالاً ذكر الثمار تفصيلاً وإجمالاً فبدأ بذكر الزرع وهو الحب الذي يقتات به كالحنطة والشعير وما أشبههما لأن به قوام بدن الإنسان، وثنى بذكر الزيتون لما فيه من الأدم والدهن والبركة، وثلث بذكر النخيل لأن ثمرتها غذاء وفاكهة، وختم بذكر الأعناب لأنها شبه النخلة في المنفعة من التفكة، والتعذية، ثم ذكر سائر الثمرات إجمالاً لينبه بذلك على عظيم قدرته، وجزيل نعمته على عباده ثم قال تعالى ) إن في ذلك ( يعني الذي ذكر من أنواع الثمار ) لآية ( يعني علامة دالة على قدرتنا ووحدانيتنا ) لقوم يتفكرون ( يعني فيما ذكر من دلائل قدرته ووحدانيته ) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ( تقدم تفسيره في سورة الأعراف ) مسخرات ( يعني مذللات مقهورات تحت قهره وإرادتهن وفيه رد على الفلاسفة والمنجمين لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم هي الفعالة المتصرفة في العالم السفلي فأخبر الله تعالى أن هذه النجوم مسخرات في نفسها مذللات ) بأمره ( يعني بأمر ربها مقهورات تحت قهره يصرفها كيف يشاء، ويختار وأنها ليس لها تصرف في نفسها فضلاً عن غيرها، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق هذه النجوم وجعلها مسخرات لمنافع عباده ختم هذه الآية بقوله ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( يعني أن كل من كان له عقل صحيح سليم علم أن الله سبحانه وتعالى، هو الفعال المختار وأن جميع الخلق تحت قدرته، وقهره وتسخيره لما أراده منهم.
النحل :( ١٣ - ٢٣ ) وما ذرأ لكم...
" وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين " ( ) وما ذرأ لكم في الأرض ( يعني وما خلق لكم في الأرض، وسخر لأجلكم من الدواب والأنعام