صفحة رقم ١٤١
قائد اثنا عشر ألف مقاتل، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها قال أخاف أن يفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء قال الهدهد اليماني إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة.
قال فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها، وأما سليمان فإنه نزل على غير ماء فسأل عن الماء الإنس والجن فلم يعلموا فتفقد الهدهد فلم يره فدعا بعريف الطير، وهو النسر فسأله عن الهدهد فقال أصلح الله الملك ما أدري أين هو، وما أرسلته إلى مكان فغضب سليمان وقال لأعذبنه الآية ثم دعا العقاب وهو أشد الطير، فقال له عليّ بالهدهد هذه الساعة فرفع العقاب في الهواء حتى رأى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم، ثم التفت يميناً وشمالاً فرأى الهدهد مقبلاً من نحو اليمن فانقض العقاب بريده، فعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء فقال له بحق الله الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني، ولم تتعرض لي بسوء فتركه العقاب وقال ويحك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف أن يعذبك، أو أن يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهيا إلى العسكر تلقاه النسر والطير، فقالوا : ويلك إين غبت في يومك هذا فلقد توعدك نبي الله وأخبروه بما قال سليمان.
فقال الهدهد : أو ما استثنى نبي الله قالوا بلى ولكنه قال أو ليأتيني بسلطان مبين.
قال نجوت إذاً فانطلق به العقاب : حتى أتيا سليمان وكان قاعداً على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب منه الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً لسليمان، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه.
وقال له : أين كنت لأعذبنك عذاباً شديداً فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه، ثم قال ما الذي أبطأك عني فقال الهدهد ما أخبر الله عنه بقوله تعالى ) فمكث غير بعيد ( معناه أي غير طويل ) فقال أحطت بما لم تحط به ( أي عملت ما لم تعلم وبلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك ألهم الله الهدهد هذا الكلام فكافح سليمان تنبيهاً على أن أدنى خلق الله قد أحاط علماً بما لم يحط به ليكون لطفاً له في ترك الإعجاب.
والإحاطة بالشيء علماً أن يعلمه من جميع جهاته حتى لا يخفى عليه من معلوم ) وجئتك من سبأ ( قيل : هو اسم للبلد وهي مأرب والأصح أنه اسم رجل وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم