صفحة رقم ١٩٤
أو نحته من صخر فكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت فكذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لأنها لا تضر ولا تنفع ) وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ( أشار إلى ضعفه فإن الريح إذا هبت عليه أو لمسه لامس فلا يبقى له عين ولا أثر فقد صح أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت وقد تبين أن دينهم أوهن الأديان ) لو كانوا يعلمون ( أي أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بلغ هذه الغاية من الوهن ) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ( هذا توكيد للمثل وزيادة عليه يعني إن الذي يدعون من دونه ليس بشيء ) وهو العزيز الحكيم ( معناه كيف يجوز للعاقل أن يترك عبادة الله العزيز الحكيم القادر على كل شيء ويشتغل بعبادة من ليس بشيء أصلاً ) وتلك الأمثال ( أي الأشباه يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار من هذه الأمة بأحوال كفار الأمم السابقة ) نضربها ( أي نبينها ) للناس ( أي لكفار مكة ) وما يعقلها إلا العالمون ( يعني ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله عز وجل.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله أن النبي ( ﷺ ) تلا هذه الآية.
) وتلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها إلا العالمون ( قال :( العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ) ) خلق الله السموات والأرض بالحق ( أي للحق وإظهار الحق ) إن في ذلك لآية ( أي دلالة ) للمؤمنين ( على قدرته وتوحيده.
وقوله تعالى ) اتل ما أوحي إليك من الكتاب ( يعني القرآن ) وأقم الصلاة ( فإن قلت : لم أمر بهذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط ؟ قلت لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة : قلبية وهي الإعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية وهي العمل الصالح، لكن الإعتقاد لا يتكرر فإن اعتقد شيئاً لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمراً فبقي الذكر العبادة البدنية وهما ممكنا التكرار فلذلك أمر بهما ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء ( أي ما قبح من الأعمال ) والمنكر ( أي ما لا يعرف في الشرع.
قال ابن مسعود وابن عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعداً.
وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وقيل من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال :( كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله ( ﷺ ) ثم لم يدع من الفواحش شيئاً إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله ( ﷺ ) فقال إن صلاته ستنهاه يوماً فلم يلبث أن تاب وحسن حاله ) وقيل : معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ومنه قوله :( إن في الصلاة لشغلاً ) وقيل أراد بالصلاة القرآن وفيه ضعف لتقدم ذكر القرآن على هذا يكون معناه أن القرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر كما روي عن جابر قال : قال رجل لرسول الله ( ﷺ ) ( إن رجل يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه