صفحة رقم ٢٨٨
على عدة أنهار هم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا اسغنوا عنه سدوها فإذا جاءهم المطر اجتمع إليهم ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه إلى البركة، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة، فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقيوا بعدها مدة، فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذاً يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جناتهم وأخرب أرضهم وقال وهب رأوا فيما يزعمون ويجدون في علمهم أن الذي يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمان ما أراد الله تعالى بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرار فساورتها، حتى استأخرت عنها الهرة فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد، وحفرت حتى أوهنت المسيل وهم لا يعلمون بذلك فلما جاء السيل وجد خللاً فدخل منه حتى اقتلع السد، وفاض الماء حتى علا أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فغرقوا ومزقوا كل ممزق، حتى صاروا مثلاً عند العرب يقولون ذهبوا أيدي سبأ، وتفرقوا أيادي سبا فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم سيل العرم ) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ( قيل هو شجر الأراك وثمره البربر وقيل : كل نبت أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكن أكله، فهو خمط وقيل هو ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع على صور الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به ) وأثل ( قيل هو الطرفاء وقيل شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه ) وشيء من سدر قليل ( هو شجر معروف ينتفع بورقة في الغسل وثمره النبق ولم يكن السدر الذي بدلوه مما ينتفع به بل كان سدراً برياً لا يصلح لشيء قيل : كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بأعمالهم.
سبأ :( ١٧ - ٢٢ ) ذلك جزيناهم بما...
" ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير " ( قوله تعالى :( ذلك جزيناهم بما كفروا ( أي ذلك فعلنا بهم جزاء كفرهم ) وهل نجازي إلا الكفور ( أي هل يكافأ بعمله إلا الكفور لله في نعمه، قيل المؤمن يجزي ولا يجزى يجازى بحسناته، ولا يكافأ بسيئاته ) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ( أي بالماء والشجر، وهي قرى الشام ) قرى ظاهرة ( أي متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها قيل : كان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ