صفحة رقم ٣٤
يبلغ الحلم ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها ) فتبارك الله ( أي استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال ) أحسن الخالقين ( أي المصورين والمقدرين.
فإن قلت كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى ) الله خالق كل شيء ( " وقوله ) هل من خالق غير الله ؟ ( " قلت الخلق له معان : منها الإيجاد والإبداع ولا موجد ولا مبدع إلاّ الله تعالى.
ومنها التقدير كما قال الشاعر :
ولأنت تفري ماخلقت وبع
ض القوم يخلق ثم لا يفري
" معناه أنت تقدّر الأمور وتقطعها وغيرك لا يفعل ذلك فعلى هذا يكون معنى الآية الله أحسن المقدرين.
وجواب آخر وهو أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام خلق طيراً وسمّى نفسه خالقاً بقوله ) إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ( فقال ) تبارك الله أحسن الخالقين ( ) ثم إنكم بعد ذلك ( أي بعد ما ذكر من تمام الخلق ) لميتون ( أي عند انقضاء آجالكم ) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( أي للحساب والجزاء.
قوله عزّ وجلّ ) ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ( يعني سبع سموات طرائق لأن بعضها فوق بعض وقيل لأنها طرائق الملائكة في الصعود والهبوط ) وما كنا عن الخلق غافلين ( يعني بل كنا لهم حافظين من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم.
وقيل معناه بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب.
وقيل ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي وقيل معناه إنما خلقنا السماء فوقهم لتنزل عليهم الأرزاق والبركات منها.
وقيل معناه و ما كنا عن الخلق غافلين أي عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم لا تخفى علينا خافية ) وأنزلنا من السماء ماء بقدر ( أي يعلمه الله من حاجتهم إليه وقيل بقدر ما يكفيهم لمعايشهم في الزرع والغرس والشرب وأنواع المنفعة ) فأسكناه في الأرض ( يعني ما يبقى في الغدران والمستنقعات مما ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر.
وقيل أسكناه في الأرض ثم أخرجناه منها ينابيع كالعيون والآبار فكل ماء في الأرض من السماء ) وإنّا على ذهاب به لقادرون ( وصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله ( ﷺ ) قال :( سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة ) أخرجه مسلم.
وعن ابن عباس عن النبيّ ( ﷺ ) قال :( إنّ الله عزّ وجلّ أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل، أنزلها الله عزّ وجلّ من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل