صفحة رقم ٢٣
منه ) قال تالله إن كدت لتردين ( أي والله لقد كدت أن تهلكني وقيل تغويني ومن أغوى إنساناً فقد أرداه وأهلكه ) ولولا نعمة ربي ( أي رحمة ربي وإنعامه علي بالإسلام ) لكنت من المحضرين ( أي معك في النار ) أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى ( أي في الدنيا ) وما نحن بمعذبين ( قيل يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت فتقول الملائكة لهم لا فيقولون ) إن هذا لهو الفوز العظيم ( وإنما يقولونه على جهة التحدث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون ليفرحوا بدوام النعيم لا على طريق الاستفهام لأنهم قد علموا أنهم ليسوا بميتين ولا معذبين ولكن أعادوا الكلام ليزدادوا سروراً بتكراره وقيل يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره قال الله تعالى :( لمثل هذا ( أي المنزل والنعيم الذي ذكره في قوله :( أولئك لهم رزق معلوم ( ) فليعمل العاملون ( هذا ترغيب في ثواب الله تعالى وما عنده بطاعته.
قوله تعالى :( أذلك ( أي الذي ذكره لأهل الجنة من النعيم ) خير نزلاً أي رزقاً ) أم شجرة الزقوم ( التي هي نزل أهل النار والزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم يكره أهل النار على تناولها فهم يتزقمونه على أشد كراهة وقيل هي شجرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر.
الصافات :( ٦٣ - ٧٤ ) إنا جعلناها فتنة...
" إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إلا عباد الله المخلصين " ( ) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( أي للكافرين وذلك أنهم قالوا كيف تكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر، وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش إن محمداً يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر، وقيل هو بلغة أهل اليمن فأدخلهم أبو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال أبو جهل تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد فقال الله تعالى :( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( أي في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها ) طلعها ( أي ثمرها سمي طلعاً لطلوعه ) كأنه رؤوس الشياطين ( قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبهها لقبحهم عند الناس.
فإن قلت قد شبهها بشيء لم يشاهد فكيف وجه التشبيه.
قلت إنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين وإن لم يشاهدوا فكأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح المنظر والعرب إذا رأت منظراً قبيحاً قالت كأنه رأس شيطان قال امرؤ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
شبَّه سنان الرمح بأنياب الغول ولم يرها وقيل إن بين مكة واليمن شجرة قبيحة منتنة تسمى رؤوس الشياطين فشبهها بها وقيل أراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً ) فإنهم لآكلون منها ( أي من ثمرها ) فمالئون منها البطون ( وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم


الصفحة التالية
Icon