صفحة رقم ٢٤٧
) ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر ( أي وحدوه ولا تشركوا به شيئاً ) إني لكم منه نذير مبين ( قيل : إنما كرر قوله إني لكم منه نذير مبين عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.
الذاريات :( ٥٢ - ٥٧ ) كذلك ما أتى...
" كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون " ( ) كذلك ( أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ) ما أتى الذين من قبلهم ( أي من قبل كفار مكة والأمم الخالية ) من رسول ( يعني يدعوهم إلى الإيمان والطاعة ) إلا قالوا ساحر أو مجنون ( قال الله تعالى ) أتواصوا به ( أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤوا عليه وفيه توبيخ لهم ) بل هم قوم طاغون ( أي لم يتواصلوا بهذا القول لأنهم لم يتلاقوا على زمان واحد بل جمعتهم على ذلك علة واحدة وهي الطغيان وهو الحامل لهم على ذلك القول ) فتولَّ عنهم ( أي أعرض عنهم ) فما أنت بملوم ( أي لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وبذلت المجهود وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله ( ﷺ ) واشتد على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي ( ﷺ ) أن يتولى عنهم فأنزل الله عز وجل :( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( فطابت نفوسهم بذلك والمعنى عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم وقيل : معناه عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
قوله عز وجل :( وما خلقت الجن والإنس ( أي من المؤمنين ) إلا ليعبدون ( قيل هذا خاص بأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس ( وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون ) وقيل : معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهو ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال علي بن أبي طالب إلا ليعبدون أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي.
وقيل : معناه إلا ليعرفوني وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده.
وقيل : معناه إلا ليخضعوا لي ويتذللوا لأن معنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق له.
وقيل : معناه إلا ليوحدوني فأما المؤمن فيوحده اختياراً في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده اضطراراً في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ) ما أريد منهم من رزق ( أي ما أريد أن يرزقوا أحداً من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم لأني أنا الرزاق المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما


الصفحة التالية
Icon