صفحة رقم ٢٨٠
الجهلة ومباهته وتواقح، فإن أهل الحق يفرضون أمورهم إلى الله تعالى.
ويضيفون القدر والأفعال إلى الله تعالى وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه.
قال إمام الحرمين : وقد قال رسول الله ( ﷺ ) ( القدرية مجوس هذه الأمة ) شبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن.
ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدرية.
وحديث : القدرية مجوس هذه الأمة، رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله ( ﷺ ) وأخرجه أبو داود في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين.
وقال : صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر وقال الخطابي : إنما جعلهم ( ﷺ ) مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس لقولهم بالأصلين : النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق كل شيء الخير والشر جميعاً لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقاً وإيجاداً وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلاً واكتساباً قال الخطابي وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله العبد وقهره على ماقدره وقضاه وليس كما يتوهمونهوإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله تعالى بما يكون من أكساب العباد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها قال والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر يقال قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى ) فقضاهن سبع سموات ( أي خلقهن وقد تظاهرت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل العقد والحل من السلف والخلف على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى وقد قرر ذلك إئمة المتكلمين أحسن تقرير بدلائله القطعية السمعية والعقلية والله أعلم.
وأما معاني الأحاديث المتقدمة فقوله جاء مشركوا قريش إلى قوله إنا كل خلقناه بقدر المراد بالقد هنا القدر المعروف وهو ما قدره الله وقضاه وسبق به علمه وإرادته فكل ذلك مقدر فيء الأزل معلوم لله تعالى مراد له وكذلك قوله كتب الله نقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء الرماد منه تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره لا أصل القدر فإن ذلك أزلي لا أول له وقوله وعرشه على الماء أي قبل أن يخلق السموات والأرض وقوله كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو قال الكيس والعجز العجز عدم القدرة وقيل هو ترك ما يجب فعله بالتسويف به وتأخيره عن وقته وقيل يحتمل العجز عن الطاعات ويحتمل العموم في أمروالدنيا والآخرة والكيس ضد العجز وهو النشاط والحذق بالأمور ومعنى الحديث أن العاجز قد رعجزه والكيس قدر كيسه.
قوله تعالى ) وما أمرنا إلا واحدة ( أي وما أمرنا إلا مرة واحدة وقيل معناه وما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة ) كن فيكون ( لا مراجعة فيه فعلى هذا إذا أراد الله سبحانه وتعالى شيئا قال كن فيكون فهنا بان فرق بين الإرادة والقول فالإرادة قدر والقول قضاء وقوله واحدة فيه بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول بل هو إشارة إلى نفاذ الأمر ) كلمح البصر ( قال ابن عباس يريد أن قضائي في خلقي أسرع من


الصفحة التالية
Icon