صفحة رقم ٦١
ذكر الله تعالى ما أنعم به عليه في الدنيا أتبعه بما أنعم به عليه في الآخرة.
قوله عز وجل :( واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب ( أي بمشقة ) وعذاب ( أي ضر وذلك في المال والجسد وقد تقدمت قصة أيوب ) اركض ( يعني أنه لما انقضت مدة ابتلائه قيل له اركض أي اضرب ) برجلك ( يعني الأرض ففعل فنبعت عين ماء عذب ) هذا مغتسل بارد ( أمره الله تعالى أن يغتسل منه ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ثم مشى أربعين خطوة فركض برجله الأرض مرة أخرى فنبعت عين ماء عذب أخرى فشرب منه فذهب كل داء كان في باطنه فذلك قوله عز وجل :( وشراب (.
ص :( ٤٣ - ٥٢ ) ووهبنا له أهله...
" ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب وعندهم قاصرات الطرف أتراب " ( ) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا ( أي إنما فعلنا ذلك معه على سبيل التفضل والرحمة لا على اللزوم ) وذكرى لأولي الألباب ( يعني سلَّطنا البلاء عليه فصبر، ثم أزلناه عنه وكشفنا ضره فشكر فهو موعظة لذوي العقول والبصائر ) وخذ بيدك ضغثاً ( أي ملء كفك من حشيش أو عيدان أو ريحان ) فاضرب به ولا تحنث ( وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط فشكر الله حسن صبرها معه فأفتاه في ضربها وسهل له الأمر وأمره بأن يأخذ ضغثاً يشتمل على مائة عود صغار فيضربها به ضربة واحدة ففعل ولم يحنث في يمينه وهل ذلك لأيوب خاصة أم لا ؟ فيه قولان أحدهما أنه عام.
وبه قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والثاني أنه خاص بأيوب.
قاله مجاهد واختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده مائة سوط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة.
فقال مالك والليث بن سعيد وأحمد لا يبر.
وقال أبو حنيفة والشافعي إذا ضربه ضربة واحدة فأصابه كل سوط على حدة فقد بر واحتجوا بعموم هذه الآية ) إنا وجدناه صابراً ( أي على البلاء الذي ابتليناه به ) نعم العبد إنه أواب ( قوله تعالى :( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( أي اذكر صبرهم فإبراهيم ألقي في النار فصبر وإسحاق أضجع للذبح في قول فصبر ويعقوب ابتلي بفقد ولده وذهاب بصره فصبر :( أولي الأيدي ( قال ابن عباس أولي القوة في طاعة الله تعالى :( والأبصار ( أي في المعرفة بالله تعالى، وقيل : المراد باليد أكثر الأعمال وبالبصر أقوى الإدراكات فعبر بهما عن العمل باليد وعن الإدراك بالبصر وللإنسان قوتان عالمية وعاملية وأشرف ما يصدر عن القوة العالمية معرفة الله تعالى وأشرف ما يصدر عن القوة العاملية طاعته وعبادته فعبر عن هاتين القوتين بالأيدي والأبصار ) إنا أخلصناهم ( أي اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين ) بخالصة ذكرى الدار ( قيل معناه أخلصناهم بذكرى الآخرة فليس لهم ذكرى غيرها، وقيل نزعنا من قلوبهم حبَّ الدنيا وذكراها وأخلصناهم بحب الآخرة وذكراها وقيل كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله تعالى، وقيل أخلصوا بخوف الآخرة وهو الخوف الدائم في القلب وقيل أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة