صفحة رقم ١٥٦
هذه أسماء آلهتهم وإنما أفرد بالذكر وإن كانت داخلة في جملة قوله لا تذرن آلهتكم لأنهم كانت لهم أصنام هذه الخمسة المذكورة هي أعظمها عندهم.
قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان أتباعهم يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم : لو صورتم صورهم كان ذلك أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ذلك ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم.
فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم الصالحين من المسلمين،
( خ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صارت الأوثان التي كانت تعبد قوم نوح في العرب بعد.
أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم صارت لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع.
وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس في قوله ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً، قال كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت الأوثان، وروي عن ابن عباس أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف والعزى لسليم وغطفان وجشم، ومناة كانت لخزاعة بقديد وإساف ونائلة وهبل كانت لأهل مكة.
ولذلك سمت العرب أنفسهم بعبد ود وعبد يغوث وعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء.
نوح :( ٢٤ - ٢٨ ) وقد أضلوا كثيرا...
" وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا " ( ) وقد أضلوا كثيراً ( أي ضل بسبب الأصنام كثير من الناس.
وقيل أضل كبراء قوم نوح كثيراً من الناس ) ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً ( يعني ولا تزد المشركين بعبادتهم الأصنام إلا ضلالاً وهذا دعاء عليهم وذلك أن نوحاً عليه السلام كان قد امتلأ قلبه غضباً وغيظاً عليهم فدعا عليهم.
فإن قلت كيف يليق بمنصب النبوة أن يدعو بمزيد الضلال وإنما بعث ليصرفهم عنه.
قلت إنما دعا عليهم بعد أن أعلمه الله أنهم لا يؤمنون وهو قوله تعالى :( إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( " وقيل إنما أراد بالضلال في أمر الدنيا وما يتعلق بها لا في أمر الآخرة ) مما خطيئاتهم أغرقوا ( أي بالطوفان ) فأدخلوا ناراً ( أي في حالة واحدة وذلك في الدنيا كانوا يغرقون من جانب ويحترقون من جانب.
واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة عذاب القبر وذلك لأن الفاء تقتضي التعقيب في قوله تعالى أغرقوا فأدخلوا ناراً، وهذا يدل على أنه إنما حصل دخول النار عقيب الإغراق ولا يمكن حمله على عذاب الآخرة لأنه يبطل دلالة الفاء، وقيل معناه أنهم سيدخلون ناراً في الآخرة فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لصدق الوعد في ذلك والأول أصح ) فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً ( يعني تنصرهم وتمنعهم من العذاب الذي نزل بهم ) وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ( يعني أحد يدور في الأرض فيذهب ويجيء من