صفحة رقم ١٦٣
) فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً حتى إذا رأوا ما يوعدون ( يعني العذاب يوم القيامة ) فسيعلمون ( أي عند نزول العذاب ) من أضعف ناصراً وأقل عدداً ( أهم أم المؤمنون ) قل إن أدري ( أي ما أدري ) أقريب ما توعدون ( يعني العذاب وقيل يوم القيامة ) أم يجعل له ربي أمداً ( أي أجلاً وغاية تطول مدتها والمعنى أن علم وقت العذاب غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ) عالم الغيب ( أي هو عالم ما غاب عن العباد ) فلا يظهر ( أي فلا يطلع ) على غيبه ( أي الغيب الذي يعلمه وانفرد به ) أحداً ( أي من الناس ثم استثنى فقال تعالى :( إلا من ارتضى من رسول ( يعني إلا من يصطفيه لرسالته ونبوته فيظهره على ما يشاء من الغيب حتى يستدل على نبوته بما يخبر به من المغيبات فيكون ذلك معجزة له وآية دالة على نبوته.
قال الزمخشري وفي هذا إبطال الكرامات لأن الذين تضاف إليهم الكرامات وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وفيه أيضاً إبطال الكهانة والتنجيم لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط.
قال الواحدي وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت ونحو ذلك فقد كفر بما في القرآن.
فأما الزمخشري فأنكر كرامات الأولياء جرياً على قاعدة مذهبه في الاعتزال ووافق الواحدي وغيره من المفسرين في إبطال الكهانة والتنجيم قال الإمام فخر الدين ونسبة الآية في الصورتين واحدة فإن جعل الآية دالة على المنع من أحكام النجوم فينبغي أن يجعلها دالة على المنع من الكرامات قال : وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء من ذلك والذي تدل عليه أن قوله ) فلا يظهر على غيبه أحداً ( ليس فيه صيغة عموم فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر الله تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه فنحمله على وقت وقوع القيامة، فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئاً من الغيوب لأحد ثم إنه يجوز أن يطلع الله على شيء من المغيبات غير الرسل كالكهنة وغيرهم وذكر ما يدل على صحة قوله ولاذي ينبغي أن مذهب أهل السنة إثبات كرامات الأولياء خلافا للمعتزلة وأنه يجوز أن يلهم الله بعض أوليائه وقوع بعض الوقائع في المستقبل فيخبر به وهو من إطلاع الله إياه على ذلك ويدل على صحة ذلك ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( ﷺ ) ' لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس محدثون من غير أن يكونوا أنبياء وإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر بن الخطاب ' أخرجه البخاري قال ابن وهب تفسير محدثون ملهمون.
ولمسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ( ﷺ ) أنه كان يقول ' قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر ابن الخطاب منهم ' ففي هذا إثبات كرامات الأولياء ولا يقال لو جازت الكرامة للولي لما تميزت معجزة النبي ( ﷺ ) عن غيرها ولا نسد الطريق إلى معرفة الرسول من غيره فتقول الفرق بين معجزة النبي وكرامة الولى أن المعجزة أمر خارق للعادة مع عدم المعارضة مقرون بالتحدي ولا يجوز للولى أن يدعي خرق العادة مع التحدي إذ لو دعاه الولي لكفر من ساعته فبان الفرق بين المعجزة والكرامة وقد يظهر على يد الولي أم خارق خارق للعادة من غير دعواه وهذا أيضا يدل على ثبوت نبوة النبي لأن الكرامة إنما تظهر على يد من هو معتقد للرسول متابع له فلو لم تكن نبوته حقا لما ظهر الخارق على يد متابعه وأما الكاهن فليس بمتبع للرسول