صفحة رقم ٢٧٧
حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، وقيل الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمناً أو مؤمنة يسلمون عليه من ربه عزّ وجلّ، وقيل تم الكلام عند قوله ) من كل أمر ( ثم ابتدأ فقال تعالى :( سلام هي ( يعني القدر سلامة وخير ليس فيها شر، وقيل لا يقدر الله في تلك اللّيلة ولا يقضي إلا السلامة، وقيل إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يحدث فيها أذى ) حتى مطلع الفجر ( أي أن ذلك السّلام أو السّلامة تدوم إلى مطلع الفجر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
سورة البينة
تفسير سورة لم يكن وتسمى سورة البينة وهي مدنية قاله الجمهور، وفي رواية عن ابن عباس أنها مكية وهي ثماان آيات وأربع وتسعون كلمة وثلثمائة وتسعة وتسعون حرفا.
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قوله عز وجل )
البينة :( ١ - ٤ ) لم يكن الذين...
" لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " ( قوله عزّ وجلّ :( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( يعني اليهود والنّصارى ) والمشركين ( أي ومن المشركين، وهم عبدة الأوثان، وذلك أن الكفار كانوا جنسين أحدهما أهل كتاب وسبب كفرهم ما أحدثوه في دينهم، أما اليهود فقولهم عزير ابن الله وتشبيههم الله بخلقه، وأما النّصارى فقولهم المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وغير ذلك، والثاني المشركون أهل الأوثان الذين لا ينتسبون إلى كتاب الله، فذكر الله الجنسين في قوله :( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ( أي منتهين عن كفرهم وشركهم وقيل معناه زائلين ) حتى تأتيهم ( أي حتى أتتهم لفظه مضارع ومعناه الماضي ) البينة ( أي الحجة الواضحة يعني محمداً ( ﷺ ) أتاهم بالقرآن فبين لهم ضلالتهم، وشركهم وما كانوا عليه من الجاهلية، ودعاهم إلى الإيمان، فآمنوا فأنقذهم الله من الجهالة والضّلالة ولم يكونوا منفصلين عن كفرهم قبل بعثه إليهم، والآية فيمن آمن من الفريقين، قال الواحدي في بسيطة : وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظماً، وتفسيراً وقد تخبط فيها الكبار من العلماء.
قال الإمام فخر الدين في تفسيره إنه لم يلخص كيفية الأشكال فيها وأنا أقول وجه الإشكال أن تقدير الآية لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرّسول، ثم إنه تعالى لم يذكر أنهم منفكون عماذاً لكنه معلوم إذ المراد هو الكفر الذي كانوا عليه، فصار التقدير لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة، التي هي الرسول، ثم إن كلمة حتى لانتهاء الغاية، فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرّسول ثم قال بعد ذلك وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة، وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرّسول، فحينئذ يحصل بين الآية الأولى والثانية مناقضة في الظاهر، وهذا منتهى الإشكال في ظني قال والجواب عنه من وجوه :
أولها : وأحسنها الوجه، الذي لخصه صاحب الكشاف وهو أن الكفار من الفريقين أهل الكتاب، وعبدة الأوثان كانوا يقولون قبل مبعث محمد ( ﷺ ) لا ننفك عما نحن عليه من ديننا، ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التّوراة والإنجيل وهو محمد ( ﷺ ) فحكى الله تعالى عنهم ما كانوا يقولونه، ثم قال ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب (، أي أنهم كانوا يعدلون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا