صفحة رقم ٢٩٥
لك وجلس كل واحد منهما على حفرته ونادى عبد المطلب في الناس فتراجعوا، وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به، وساد عبد المطلب بذلك قريشاً، وأعطته القادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود في أهليهما في غنى من ذلك المال، ودفع الله عزّ وجلّ عن كعبته، واختلفوا في تاريخ عام الفيل، فقيل كان قبل مولد النبي ( ﷺ ) بأربعين سنة وقيل بثلاث وعشرين سنة، والأصح الذي عليه الأكثرون من علماء السير، والتواريخ، وأهل التفسير أنه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله ( ﷺ ) فإنهم يقولون ولد عام الفيل، وجعلوه تاريخاً لمولده ( ﷺ ) وأما التّفسير فقوله عزّ وجلّ ) ألم تر ( أي ألم تعلم، وذلك لأن هذه الواقعة ك انت قبل مبعثه بزمان طويل إلا أن العلم بها كان حاصلاً عنده لأن الخبر بها كان مستفيضاً معروفاً بمكة وإذا كان كذلك فكأنه ( ﷺ ) علمه وشاهده يقيناً، فلهذا قال تعالى ) ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (، قيل كان معهم فيل واحد، وقيل كانوا فيلة ثمانية، وقيل اثني عشر وإنما وحده لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم الذي كان يقال له محمود، وقيل وإنما وحده لو فاق الآي، وفي قصة أصحاب الفيل دلالة عظيمة على قدرة الله تعالى وعلمه، وحكمته إذ يستحيل في العقل أن طيراً تأتي من قبل البحر تحمل حجارة ترمي بها ناساً مخصوصين، وفيها دلالة عظيمة على شرف محمد ( ﷺ ) ومعجزة ظاهرة له وذلك أن الله تعالى إنما فعل ذلك لنصر من ارتضاه، وهو محمد ( ﷺ ) الدّاعي إلى توحيده، وإهلاك من سخط عليه، وليس ذلك لنصرة قريش، فإنهم كانوا كفاراً لا كتاب لهم، والحبشة لهم كتاب فلا يخفى على عاقل، أن المراد بذلك نصر محمد ( ﷺ ) فكأنه تعالى قال أنا الذي فعلت ما فعلت بأصحاب الفيل تعظيماً لك، وتشريفاً لقدومك، وإذ قد نصرتك قبل قدومك فكيف أتركك قبل ظهورك.
الفيل :( ٢ - ٥ ) ألم يجعل كيدهم...
" ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول " ( ) ألم يجعل كيدهم ( يعني مكرهم، وسعيهم في تخريب الكعبة ) في تضليل ( أي تضييع وخسار، وإبطال ما أرادوا أضل كيدهم، فلم يصلوا إلى ما أرادوا من تخريب البيت، بل رجع كيدهم عليهم، فخربت كنيستهم، واحترقت، وهلكوا وهو قوله تعالى :( وأرسل عليهم طيراً أبابيل ( يعني طيراً كثيرة متفرقة يتبع بعضها بعضاً، وقيل أبابيل أقاطيع كالإبل المؤبلة، وقيل أبابيل جماعات في تفرقة قيل لا واحد لها من لفظها، وقيل واحدها أبالة، وقيل أبيل، وقيل أبول مثل عجول قال ابن


الصفحة التالية
Icon