صفحة رقم ٣٢٤
فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع.
ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه ( ﷺ )، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.
وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطىء زوجاته، وليس واطىء، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام.
فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي : وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الزّيغ والضّلالة، وقوله ما وجع الرجل قال مطبوب أي مسحور قوله، وجف طلعة ذكر يروى بالباء ويروى بالفاء، وهو وعاء طلع النخل.
وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الاجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن، أو إذ كانت وردت في الحديث، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقي النبي ( ﷺ )، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي ( أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين.
أفأسترقي لهم قال نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ) أخرجه التّرمذي وقال : حديث صحيح وعن أبي سعيد الخدري ( أن النبي ( ﷺ ) كان يتعوذ ويقول أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما ) أخرجه التّرمذي وقال : حديث حسن غريب فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي لجواز أن يكون فيه كفر والله أعلم.
( وأما التفسير )
فقوله عز وجل ) قل أعوذ برب الفلق (، أراد بالفلق الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس لأن الليل ينفلق عن الصبح وسبب تخصيصه في التعوذ أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، وقيل إن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج، كما أن الإنسان ينتظر طلوع الصّباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح، وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين، وروي عن ابن عباس أن الفلق سجن في جهنم، وقيل هو واد في جهنم إذ فتح استعاذ أهل النار من حره، ووجهه أن المستعيذ قال : أعوذ برب هذا العذاب، القادر عليه من شر عذابه، وغيره وروي عن ابن عباس أيضاً أن الفلق الخلق، ووجه هذا التأويل، أن الله تعالى فلق ظلمات بحر العدم بإيجاد الأنوار، وخلق منه الخلق، فكأنه قال قل أعوذ برب جميع الممكنات، ومكون جميع المحدثات ) من شر ما خلق ( قيل يريد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقاً هو شر منه، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل من شر كل ذي شر، وقيل من شر ما خلق من الجن، والإنس ) من شر غاسق إذا وقب ( عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ' إن رسول الله ( ﷺ ) نظر


الصفحة التالية
Icon