﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَـانٍ ﴾ [البقرة : ١٧٨] قالوا : العفو ضد العقوبة.
يقال :
١٤٨
عفوت عن فلان إذا صفحت عنه وأعرضت عن أن تعاقبه وهو يتعدى بـ " عن " إلى الجاني وإلى الجناية ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم ﴾ [البقرة : ٥٢] (البقرة ؛ ٢٥) ﴿ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّـاَاتِ ﴾ (الشورى : ٥٢) وإذا اجتمعا عدي إلى الأول باللام فتقول " عفوت له عن ذنبه " ومنه الحديث عفوت لكم عن صدقه الخيل والرقيق وقال الزجاج : من عفي له أي من ترك له القتل بالدية.
وقال الأزهري : العفو في اللغة الفضل ومنه :﴿ يَسْـاَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالاقْرَبِينَ وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة : ٩١٢).
ويقال : عفوت لفلان بمال إذا أفضلت له وأعطيته، وعفوت له عما لي عليه إذا تركته.
ومعنى الآية عند الجمهور : فمن عفي له من جهة أخيه شيء من العفو على أن الفعل مسند إلى المصدر كما في سير بزيد بعض السير والأخ ولي المقتول.
وذكر بلفظ الأخوّة بعثاً له على العطف لما بينهما من الجنسية والإسلام، ومن هو القاتل المعفو له عما جنى وترك المفعول الآخر استغناء عنه.
وقيل : أقيم " له " مقام " عنه " والضمير في له وأخيه لـ من، وفي إليه للأخ أو للمتبع الدال عليه فاتباع لأن المعنى فليتبع الطالب القاتل بالمعروف بأن يطالبه مطالبة جميلة، وليؤد إليه المطلوب أي القاتل بدل الدم أداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه.
وإنما قيل شيء من العفو ليعلم أنه إذا عفا عن بعض الدم أو عفا عنه بعض الورثة تم العفو وسقط القصاص.
ومن فسر عفى بترك جعل شيء مفعولاً به، وكذا من فسره بـ " أعطى " يعني أن الولي إذا أعطى له شيء من مال أخيه يعني القاتل بطريق الصلح فليأخذه بمعروف من غير تعنيف، وليؤده القاتل إليه بلا تسويف.
وارتفاع اتباع بأنه خبر مبتدأ مضمر أي فالواجب اتباع ﴿ ذَالِكَ ﴾ الحكم المذكور من العفو وأخذ الدية ﴿ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة : ١٧٨] فإنه كان في التوراة القتل لا غير، وفي الإنجيل العفو بغير بدل لا غير، وأبيح لنا القصاص والعفو وأخذ المال بطريق الصلح توسعة وتيسيراً.
والآية تدل على أن صاحب الكبيرة مؤمن للوصف بالإيمان بعد وجود القتل ولبقاء الأخوّة الثابتة بالإيمان ولاستحقاق التخفيف والرحمة
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٧
﴿ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَالِكَ ﴾ [البقرة : ١٧٨] التخفيف فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد
١٤٩
أخذ الدية ﴿ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٨] نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة ﴿ وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَواةٌ ﴾ [البقرة : ١٧٩] كلام فصيح لما فيه من الغرابة، إذ القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل ظرفاً للحياة.
وفي تعريف القصاص وتنكير الحياة بلاغة بينة لأن المعنى ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة لمنعه عما كانوا عليه من قتل الجماعة بواحد متى اقتدروا فكان القصاص حياة وأي حياة.
أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالقصاص من القاتل، لأنه إذا هم بالقتل فتذكر الاقتصاص ارتدع فسلم صاحبه من القتل وهو من القود فكان شرع القصاص سبب حياة نفسين.
﴿ وَاتَّقُونِ يَـاأُوْلِي الالْبَـابِ ﴾ يا ذوي العقول ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة : ٢١] القتل حذراً من القصاص.


الصفحة التالية
Icon