والمتعلق ﴿ الْوُثْقَى ﴾ تأنيث الأوثق أي الأشد من الحبل الوثيق المحكم المأمون ﴿ لا انفِصَامَ لَهَا ﴾ [البقرة : ٢٥٦] لا انقطاع للعروة، وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده، والمعنى فقد عقد لنفسه من الدين عقداً وثيقاً لا تحله شبهة ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٤] لإقراره ﴿ عَلِيمٌ ﴾ باعتقاده.
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البقرة : ٢٥٧] أرادوا أن يؤمنوا أي ناصرهم ومتولي أمورهم ﴿ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَـاتِ ﴾ [البقرة : ٢٥٧] من ظلمات الكفر والضلالة وجمعت لاختلافها ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم : ١] إلى الإيمان والهداية ووحد لاتحاد الإيمان ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النور : ٣٩] مبتدأ والجملة وهي ﴿ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّـاغُوتُ ﴾ [البقرة : ٢٥٧] خبره ﴿ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَـاتِ ﴾ [البقرة : ٢٥٧] وجمع لأن الطاغوت في معنى الجمع يعني والذين صمموا على الكفر أمرهم على عكس ذلك، أو الله ولي المؤمنين يخرجهم من الشبهة في الدين إن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم له من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين، والذين كفروا أولياؤهم الشياطين يخرجونهم من نور البينات الذي يظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة ﴿ أُوالَـائِكَ أَصْحَـابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٣٩].
ثم عجب نبيه عليه السلام وسلاه بمجادلة إبراهيم عليه السلام نمرود الذي كان يدعي الربوبية بقوله.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٦
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٠
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَآجَّ إِبْرَاهِـامَ فِى رَبِّهِ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] في معارضته ربوبية ربه.
والهاء في ربه يرجع إلى إبراهيم أو إلى الذي حاج فهو ربهما ﴿ أَنْ ءَاتَـاـاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨]
لأنّ آتاه الله يعني أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر فحاج لذلك، وهو دليل على المعتزلة في الأصلح أوحاج وقت أن أتاه الله الملك ﴿ إِذْ قَالَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] نصب بـ حاج أو بدل من أن آتاه إذا جعل بمعنى الوقت ﴿ إِبْرَاهِ مُ رَبِّيَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] رب : حمزة
٢٠٠
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ﴾ [البقرة : ٢٥٨] كأنه قال له : من ربك؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت ﴿ قَالَ ﴾ نمرود ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ﴾ [البقرة : ٢٥٨] يريد أعفو عن القتل وأقتل فانقطع اللعين بهذا عند المخاصمة فزاد إبراهيم عليه السلام ما لا يتأتى فيه التلبيس على الضعفة حيث ﴿ قَالَ إِبْرَاهِ مُ ﴾ [البقرة : ١٢٦] عليه السلام ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] وهذا ليس بانتقال من حجة إلى حجة كما زعم البعض لأن الحجة الأولى كانت لازمة، ولكن لما عاند اللعين حجة الإحياء بتخلية واحد وقتل آخر، كلمه من وجه لا يعاند، وكانوا أهل تنجيم، وحركة الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة لهم، والحركة الشرقية المحسوسة لنا قسرية كتحريك الماء النمل على الرحى إلى غير جهة حركة النمل فقال : إن ربي يحرك الشمس قسراً على غير حركتها، فإن كنت رباً فحركها بحركتها فهو أهون ﴿ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] تحير ودهش ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] أي لا يوفقهم وقالوا : إنما لم يقل نمرود فليأت ربك بالشمس من المغرب لأن الله تعالى صرفه عنه.
وقيل : إنه كان يدعي الربوبية لنفسه وما كان يعترف بالربوبية لغيره.
ومعنى قوله أنا أحيي وأميت أن الذي ينسب إليه الإحياء والإماتة أنا لا غيري، والآية تدل على إباحة التكلم في علم الكلام والمناظرة فيه لأنه قال : ألم ترى الذي حاج إبراهيم في ربه.
والمحاجة تكون بين اثنين فدل على أن إبراهيم حاجه أيضاً، ولو لم يكن مباحاً لما باشرها إبراهيم عليه السلام لكون الأنبياء عليهم السلام معصومين عن ارتكاب الحرام، ولأنا أمرنا بدعاء الكفرة إلى الإيمان بالله وتوحيده وإذا دعوناهم إلى ذلك لا بد أن يطلبوا منا الدليل على ذلك، وذا لا يكون إلا بعد المنظارة كذا في شرح التأويلات.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٠


الصفحة التالية
Icon