الجار في ﴿ لِلْفُقَرَآءِ ﴾ متعلق بمحذوف أي اعمدوا للفقراء، أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هذه الصدقات للفقراء ﴿ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٧٣] هم الذين أحصرهم الجهاد فمنعهم من التصرف ﴿ لا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [النساء : ٩٨] لاشتغالهم به ﴿ ضَرْبًا فِى الارْضِ ﴾ [البقرة : ٢٧٣] للكسب.
وقيل : هم أصحاب الصفة وهم نحو من أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم تكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر، فكانوا في صفة المسجد وهي سقيفته يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.
﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ ﴾ [البقرة : ٢٧٣] بحالهم.
يحسبهم وبابه : شامي ويزيد وحمزة وعاصم غير الأعشى وهبيرة.
والباقون بكسر السين.
﴿ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾ [البقرة : ٢٧٣] مستغنين من أجل تعففهم عن المسألة ﴿ تَعْرِفُهُم بِسِيمَـاهُمْ ﴾ [البقرة : ٢٧٣] من صفرة الوجوه ورثاثة الحال ﴿ لا يَسْـاَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ [البقرة : ٢٧٣] إلحاحاً.
قيل : هو نفي السؤال
٢٠٩
والإلحاح جميعاً كقوله :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٨
على لاحب لا يهتدي بمناره
يريد نفي المنار والاهتداء به.
والإلحاح هو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه وفي الحديث إن الله يحب الحي الحليم المتعفف ويبغض البذي السآل الملحف وقيل : معناه أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا ﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٧٣] لا يضيع عنده.
﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ﴾ [البقرة : ٢٧٤] هما حالان أي مسرين ومعلنين يعني يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال.
وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بأربعين ألف دينار : عشرة بالليل، وعشرة بالنهار، وعشرة في السر، وعشرة في العلانية.
أو في علي رضي الله عنه لم يملك إلا أربعة دراهم، تصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية.
﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة : ٦٢] ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَوا ﴾ [البقرة : ٢٧٥] هو فضل مال خال عن العوض في معاوضة مال بمال.
وكتب الربوا بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلوة والزكوة، وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع.
﴿ لا يَقُومُونَ ﴾ [البقرة : ٢٧٥] إذا بعثوا من قبورهم ﴿ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَـانُ ﴾ [البقرة : ٢٧٥] أي المصروع لأنه تخبط في المعاملة فجوزى على المقابلة.
والخبط : الضرب على غير استواء كخبط العشواء ﴿ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة : ٢٧٥] من الجنون وهو يتعلق بـ لا يقومون أي لا يقومون من المس الذي بهم إلا كما يقوم المصروع، أو
٢١٠
بـ " يقوم " أي كما يقوم المصروع من جنونه، والمعنى أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف.
وقيل : الذين يخرجون من الأجداث يوفضون إلا أكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين، لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإيفاض ﴿ ذَالِكَ ﴾ العقاب ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٨
بسبب أنهم ﴿ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا ﴾ [البقرة : ٢٧٥] ولم يقل " إنما الربا مثل البيع " مع أن الكلام في الربا لا في البيع، لأنه جيء به على طريقة المبالغة وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلاً وقانوناً في الحل حتى شبهوا به البيع.
﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا ﴾ [البقرة : ٢٧٥] إنكار لتسويتهم بينهما إذ الحل مع الحرمة ضدان فأنى يتماثلان و دلالة على أن القياس يهدمه النص لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه ﴿ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ ﴾ [البقرة : ٢٧٥] فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهي عن الربا
٢١١


الصفحة التالية
Icon