﴿ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٣] يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ألفين، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفاً وعشرين، أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم.
ترونهم نافع أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة، أو مثلي أنفسهم.
ولا يناقض هذا ما قال في سورة الأنفال ﴿ وَيُقَلِّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ ﴾ [الانفال : ٤٤] (الأنفال : ٤٤) لأنهم قللوا أولاً في أعينهم حتى اجترؤا عليهم، فلما اجتمعوا كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال ﴿ فَيَوْمَـاـاِذٍ لا يُسْـاَلُ عَن ذَنابِهِ إِنسٌ وَلا جَآنٌّ ﴾ [الرحمن : ٣٩] (الرحمن : ٩٣).
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم ﴾ (الصافات : ٤٢).
وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية.
ومثليهم نصب على الحال لأنه من رؤية العين بدليل قوله ﴿ مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ ﴾ [آل عمران : ١٣] يعني رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها ﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ١٣] كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في أعين العدو ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] في تكثير القليل ﴿ لَعِبْرَةً ﴾ لعظة ﴿ لاوْلِى الابْصَـارِ ﴾ [آل عمران : ١٣] لذوي البصائر.
٢٢٤
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران : ١٤] المزين هو الله عند الجمهور للابتلاء كقوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الارْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ ﴾ [الكهف : ٧] (الكهف : ٧).
دليله قراءة مجاهد زين للناس على تسمية الفاعل.
وعن الحسن : الشيطان ﴿ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾ [آل عمران : ١٤] الشهوة توقان النفس إلى الشيء، جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة، أو كأنه أراد تخسيسها بتسميتها شهوات إذ الشهوة مسترذلة عند الحكماء، مذموم من اتبعها، شاهد على نفسه بالبهيمية ﴿ مِّنَ النِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٢٢] والإماء داخلة فيها ﴿ وَالْبَنِينَ ﴾ جمع ابن وقد يقع في غير هذا الموضع على الذكور والإناث، وهنا أريد به الذكور فهم المشتهون في الطباع والمعدون للدفاع ﴿ وَالْقَنَـاطِيرِ ﴾ جمع قنطار وهو المال الكثير.
قيل : ملء مسك ثور أو مائة ألف دينار، ولقد جاء الإسلام وبمكة مائة رجل قد قنطروا ﴿ الْمُقَنطَرَةِ ﴾ المنضدة أو المدفونة ﴿ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾ [آل عمران : ١٤] سمي ذهباً لسرعة ذهابه بالإنفاق، وفضة لأنها تتفرق بالإنفاق والفض التفريق ﴿ وَالْخَيْلِ ﴾ سميت به لاختيالها في مشيها ﴿ الْمُسَوَّمَةِ ﴾ المعلمة من السومة وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها ﴿ وَالانْعَـامُ ﴾ هي الأزواج الثمانية ﴿ وَالْحَرْثِ ﴾ الزرع ﴿ ذَالِكَ ﴾ المذكور ﴿ مَّتَاعَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [يونس : ٢٣] يتمتع به في الدنيا ﴿ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ﴾ المرجع.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٣
ثم زهدهم في الدنيا فقال ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَالِكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٥] من الذي تقدم ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـاتٌ ﴾ [آل عمران : ١٥] كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلك، فـ جنات مبتدأ للذين اتقوا خبره ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ ﴾ [الرعد : ٣٥] صفة لـ " جنات، ويجوز أن يتعلق اللام بـ " خير " واختص المتقين لأنهم هم المنتفعون به.
ويرتفع جنات على هو جنات وتنصره قراءة من قرأ جناتٍ بالجر على البدل من خير
٢٢٥


الصفحة التالية
Icon