﴿ وَأَنابَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾ [آل عمران : ٣٧] مجاز عن التربية الحسنة، قال ابن عطاء : ما كانت ثمرته مثل عيسى فذاك أحسن النبات.
ونباتا مصدر على خلاف الصدر أو التصدير فنبتت نباتاً ﴿ وَكَفَّلَهَا ﴾ وكفلها : قبلها أو ضمن القيام بأمرها.
وكفّلها : كوفي أي كفلها الله زكريا يعني جعله كافلاً لها وضامناً لمصالحها ﴿ زَكَرِيَّآ ﴾ بالقصر : كوفي غير أبي بكر في كل القرآن.
وقرأ أبو بكر بالمد والنصب هنا.
غيرهم بالمد والرفع كالثانية والثالثة ومعناه في العبري : دائم الذكر والتسبيح ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ﴾ [آل عمران : ٣٧] قيل : بنى لها زكريا محراباً في المسجد أي غرفة تصعد إليها بسلم.
وقيل : المحراب أشرف المجالس ومقدّمها كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس.
وقيل : كانت مساجدهم تسمى المحاريب وكان لا يدخل عليها إلا هو وحده ﴿ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ﴾ [آل عمران : ٣٧] كان رزقها ينزل عليها من الجنة ولم ترضع ثدياً قط فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ﴿ قَالَ يَـامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـاذَا ﴾ من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آتٍ في غير حينه؟ ﴿ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٣٧] فلا تستبعد.
قيل : تكلمت وهي صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ٣٧] من جملة كلام مريم أو من كلام رب العالمين ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة : ٢١٢] بغير تقدير لكثرته أو تفضلاً بغير محاسبة ومجازاة على عمل.
٢٣٥
﴿ هُنَالِكَ ﴾ في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب أو في ذلك الوقت فقد يستعار هنا و " حيث و " ثم " للزمان.
لما رأى حال مريم في كرامتها على الله ومنزلتها رغب أن يكون له من إيشاع ولد مثل ولد أمها حنة في الكرامة على الله، وإن كانت عاقراً عجوزاً فقد كانت أمها كذلك.
وقيل : لما رأى الفاكهة في غير وقتها انتبه على جواز ولادة العاقر ﴿ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُا قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً ﴾ [آل عمران : ٣٨] ولداً والذرية يقع على الواحد والجمع
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٨
﴿ طَيِّبَةً ﴾ مباركة والتأنيث للفظ الذرية ﴿ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ ﴾ [آل عمران : ٣٨] مجيبه ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَـائكَةُ ﴾ [آل عمران : ٣٩] قيل : ناداه جبريل عليه السلام.
وإنما قيل الملائكة لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس كقولهم " فلان يركب الخيل ".
فناديه بالياء والإمالة : حمزة وعلي ﴿ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ ﴾ [آل عمران : ٣٩] وفيه دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات، وفيها إجابة الدعوات وقضاء الحاجات.
وقال ابن عطاء : ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب ﴿ إِنَّ اللَّهَ ﴾ [التوبة : ١١١] بكسر الألف : شامي وحمزة وعلى إضمار القول، أو لأن النداء قول.
الباقون : بالفتح أي بأن الله ﴿ يُبَشِّرُكِ ﴾ يبشرك وما بعده : حمزة وعلي من بشره والتخفيف والتشديد لغتان ﴿ بِيَحْيَى ﴾ هو غير منصرف إن كان عجمياً وهو الظاهر فللتعريف والعجمة كموسى وعيسى، وإن كان عربياً فللتعريف ووزن الفعل كـ " يعمر ﴿ مُصَدِّقَا ﴾ حال منه ﴿ بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٣٩] أي مصدقاً بعيسى مؤمناً به فهو أول من آمن به.
وسمي عيسى كلمة الله لأن تكون بـ " كن " بلا أب، أو مصدقاً بكلمة من الله مؤمناً بكتاب منه ﴿ وَسَيِّدًا ﴾ هو الذي يسود قومه أي يفوقهم في الشرف، وكان يحيى فائقاً على قومه لأنه لم يركب سيئة قط ويا لها من سيادة.
وقال الجنيد : هو الذي جاد بالكونين عوضاً عن المكون ﴿ وَحَصُورًا ﴾ هو الذي لا يقرب النساء مع القدرة حصراً لنفسه أي منعاً لها من
٢٣٦