الاستئناف ﴿ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـاَةِ الطَّيْرِ ﴾ [المائدة : ١١٠] أي أقدر لكم شيئاً مثل صورة الطير ﴿ فَأَنفُخُ فِيهِ ﴾ [آل عمران : ٤٩] الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير ﴿ فَيَكُونُ طَيْرَا ﴾ [آل عمران : ٤٩] فيصير طيراً كسائر الطيور.
طائراً : مدني ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٢] بأمره.
قيل : لم يخلق شيئاً غير الخفاش ﴿ وَأُبْرِى ُ الاكْمَهَ ﴾ [آل عمران : ٤٩] الذي ولد أعمى ﴿ والابْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ كرر بإذن الله دفعاً لو هم من يتوهم فيه اللاهوتية.
روي أنه أحيا سام بن نوح عليه السلام وهم ينظرون إليه فقالوا : هذا سحر مبين فأرنا آية فقال : يا فلان أكلت كذا ويا فلان خبىء لك كذا وهو قوله
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٧
﴿ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ ﴾ [آل عمران : ٤٩] وما فيهما بمعنى " الذي "، أو مصدرية ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] فيما سبق ﴿ لايَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاـاةِ ﴾ أي قد جئتكم بآية وجئتكم مصدقاً ﴿ وَلاحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ [آل عمران : ٥٠] رد على قوله بآية من ربكم أي جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم.
وما حرم الله عليهم في شريعة موسى عليه السلام الشحوم ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر فأحل لهم عيسى بعض ذلك ﴿ وَجِئْتُكُم بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [آل عمران : ٥٠] كرر للتأكيد ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [آل عمران : ١٢٣] في تكذيبي وخلافي ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ في أمري ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ ﴾ [آل عمران : ٥١] إقرار بالعبودية ونفي للربوبية عن نفسه بخلاف ما يزعم النصارى ﴿ فَاعْبُدُوهُ ﴾ دوني ﴿ هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران : ٥١] يؤدي صاحبه إلى النعيم المقيم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٧
﴿ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ﴾ [آل عمران : ٥٢] علم من اليهود كفراً علماً لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس ﴿ قَالَ مَنْ أَنصَارِى ﴾ [آل عمران : ٥٢] أنصاري مدني وهو جمع ناصر كأصحاب أو جمع نصير كأشراف ﴿ إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر : ٤٤] يتعلق بمحذوف حال من الياء أي من أنصاري
٢٤٠
ذاهباً إلى الله ملتجئاً إليه ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ﴾ [آل عمران : ٥٢] حواريّ الرجل صفوته وخاصته ﴿ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٥٢] أعوان دينه ﴿ بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا ﴾ [آل عمران : ٥٢] يا عيسى ﴿ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران : ٥٢] إنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيداً لإيمانهم لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم، وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد ﴿ رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ﴾ [آل عمران : ٥٣] أي رسولك عيسى ﴿ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّـاهِدِينَ ﴾ [آل عمران : ٥٣] مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم، أو مع الذين يشهدون لك بالوحدانية، أو مع أمة محمد عليه السلام لأنهم شهداء على الناس ﴿ وَمَكَرُوا ﴾ أي كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر حين أرادوا قتله وصلبه ﴿ وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ٥٤] أي جازاهم على مكرهم بأن رفع عيسى إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل، ولا يجوز إضافة المكر إلى الله تعالى إلا على معنى الجزاء، لأنه مذموم عند الخلق وعلى هذا الخداع والاستهزاء كذا في شرح التأويلات.
﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـاكِرِينَ ﴾ [آل عمران : ٥٤] أقوى المجازين وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ ﴾ [المائدة : ١١٠] ظرف لمكر الله ﴿ يَـاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ أي مستوفي أجلك ومعناه أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم ﴿ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ ﴾ [آل عمران : ٥٥] إلى سمائي ومقر ملائكتي ﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٧