الواو لتأكيد النفي ﴿ أُوالَـائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى : ٤٢] مؤلم ﴿ وَمَا لَهُم مِّن نَّـاصِرِينَ ﴾ [آل عمران : ٢٢] معينين دافعين للعذاب.
﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ ﴾ [آل عمران : ٩٢] لن تبلغوا حقيقة البر أو لن تكونوا أبراراً أو لن تنالوا بر الله وهو ثوابه ﴿ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران : ٩٢] حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها وتؤثرونها.
وعن الحسن : كل من تصدق ابتغاء وجه الله بما يحبه ولو تمرة فهو داخل في هذه الآية.
قال الواسطي ؛ الوصول إلى البر بإنفاق بعض المحاب وإلى الرب بالتخلي عن الكونين، وقال أبو بكر الوراق : لن تناولوا بري بكم إلا ببركم بإخوانكم.
والحاصل أنه لا وصول إلى المطلوب إلا بإخراج المحبوب.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدال السكر ويتصدق بها فقيل له : لم لا تتصدق بثمنها؟ قال : لأن السكر أحب إليّ فأردت أن أنفق مما أحب.
﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران : ٩٢] أي هو عليكم بكل شيء تنفقونه فيجازيكم بحسبه.
ومن الأولى للتبعيض لقراءة عبد الله حتى تنفقوا بعض ما تحبون والثانية للتبيين أي من أي شيء كان الإنفاق طيب تحبونه أو خبيث تكرهونه.
ولما قالت اليهود للنبي عليه السلام : إنك تدعي أنك على ملة إبراهيم وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها فقال عليه السلام " كان ذلك حلالاً لإبراهيم فنحن نحله " فقالت اليهود : إنها لم تزل محرمة في ملة إبراهيم ونوح عليهما السلام نزل تكذيباً لهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٢
﴿ كُلُّ الطَّعَامِ ﴾ [آل عمران : ٩٣] أي المطعومات التي فيها النزاع فإن منها ما هو حرام قبل
٢٥٥
ذلك كالميتة والدم ﴿ كَانَ حِلا لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [آل عمران : ٩٣] أي حلالاً وهو مصدر.
يقال حل الشيء حلاً ولذا استوى في صفة المذكر والمؤنث والواحد والجمع قال الله تعالى :﴿ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ ﴾ [الممتحنة : ١٠] (الممتحنة : ٠١) ﴿ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ ﴾ [آل عمران : ٩٣] أي يعقوب ﴿ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاـاةُ ﴾ [آل عمران : ٩٣] وبالتخفيف مكي وبصري وهو لحوم الإبل وألبانها، وكانا أحب الطعام إليه.
والمعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلاً لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة سوى ما حرم إسرائيل على نفسه، فلما نزلت التوراة على موسى حرم عليهم فيها لحوم الإبل وألبانها لتحريم إسرائيل ذلك على نفسه ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاـاةِ فَاتْلُوهَآ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [آل عمران : ٩٣] أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم بما هو ناطق به من أن تحريم ماحرم عليهم تحريم حادث سبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما يدعونه، فلم يجرؤوا على إخراج التوراة وبهتوا.
وفيه دليل بيّن على صدق النبي عليه السلام وعلى جواز النسخ الذي ينكرونه ﴿ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [آل عمران : ٩٤] بزعمه أن ذلك كان محرماً في ملة إبراهيم ونوح عليهما السلام ﴿ مِن بَعْدِ ذَالِكَ ﴾ [يوسف : ٤٨] من بعدما لزمهم من الحجة القاطعة ﴿ فَأُوالَـائِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٢٩] المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ولا يلتفتون إلى البينات ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ٩٥] في إخباره أنه لم يحرم وفيه تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله تعالى صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون ﴿ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [آل عمران : ٩٥] وهي ملة الإسلام التي عليها محمد عليه السلام ومن آمن معه حتى تتخلصوا من اليهودية التي ورطتكم في فساد دينكم ودنياكم حيث اضطرتكم إلى تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم، وألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم ولمن تبعه
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٢
﴿ حَنِيفًا ﴾ حال من إبراهيم أي مائلاً من الأديان الباطلة ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة : ١٣٥].
ولما قالت اليهود للمسلمين : قبلتنا قبل قبلتكم نزل
٢٥٦


الصفحة التالية
Icon