﴿ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران : ١١٣] يصلون.
قيل : يريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها.
وقيل : عبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل مع السجود ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [آل عمران : ١١٤] بالإيمان وسائر أبواب البر ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [آل عمران : ١٠٤] عن الكفر ومنهيات الشرع ﴿ وَيُسَـارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ ﴾ [آل عمران : ١١٤] يبادرون إليها خشية الفوت.
وقوله : يتلون ويؤمنون في محل الرفع صفتان لأمة أي أمة قائمة تالون مؤمنون.
وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين ومن الإيمان بالله، لأن إيمانهم به كلا إيمان لإشراكهم به عزيراً وكفرهم ببعض الكتب والرسل ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه بخلاف صفته، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين، ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها، والمسارعة في الخير فرط الرغبة فيه لأن من رغب في الأمر سارع بالقيام به ﴿ وَأُوالَـائِكَ ﴾ الموصوفون بما وصفوا به ﴿ مِّنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [آل عمران : ٣٩] من المسلمين أو من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم ﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ﴾ [آل عمران : ١١٥] بالياء فيهما كوفي غير أبي بكر وأبو عمرو.
مخير غيرهم بالتاء.
وعدي يكفروه إلى مفعولين وإن كان شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد تقول شكر النعمة وكفرها ـــــ لتضمنه معنى الحرمان كأنه
٢٦٥
قيل : فلن تحرموه أي فلن تحرموا جزاءه ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران : ١١٥] بشارة للمتقين بجزيل الثواب.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلَـادُهُم مِّنَ اللَّهِ شيئا ﴾ [آل عمران : ١٠] أي من عذاب الله ﴿ وَأُوالَـائِكَ أَصْحَـابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٢١٧].
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٦٥
﴿ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هَـاذِهِ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ في المفاخر والمكارم وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس أو ما يتقربون به إلى الله مع كفرهم ﴿ كَمَثَلِ رِيحٍ ﴾ [آل عمران : ١١٧] كمثل مهلك ريح وهو الحرث أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح ﴿ فِيهَا صِرٌّ ﴾ [آل عمران : ١١٧] برد شديد عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو مبتدأ وخبر في موضع جر صفة لـ ريح مثل ﴿ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ [آل عمران : ١١٧] بالكفر ﴿ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ عقوبة على كفرهم ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ١١٧] بإهلاك حرثهم ﴿ وَلَـاكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران : ١١٧] بارتكاب ما استحقوا به العقوبة، أو يكون الضمير للمنفقين أي وما ظلمهم الله بأن لم يقبل نفقاتهم ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بها لائقة للقبول.
ونزل نهياً للمؤمنين عن مصافات المنافقين ﴿ يَظْلِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً ﴾ بطانة الرجل ووليجته خصيصه وصفيه شبه ببطانة الثوب كما يقال " فلان شعاري " وفي الحديث الأنصار شعار والناس دثار ﴿ مِّن دُونِكُمْ ﴾ [آل عمران : ١١٨] من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون وهو صفة لبطانة أي بطانة كائنة من دونكم مجاوزة لكم ﴿ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا ﴾ [آل عمران : ١١٨] في موضع النصب صفة لبطانة يعني لا يقصرون في فساد دينكم يقال " ألا في الأمر يألو " إذا
٢٦٦
قصر فيه، والخبال الفساد.
وانتصب خبالاً على التمييز أوعلى حذف في أي في خبالكم ﴿ وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ﴾ [آل عمران : ١١٨] أي عنتكم فـ " ما " مصدرية.
والعنت شدة الضرر والمشقة أي تمنوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر وأبلغه، وهو مستأنف على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة كقوله ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١١٨] لأنهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضه للمسلمين ﴿ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٦٥