﴿ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالايمَـانِ ﴾ [آل عمران : ١٧٧] أي استبدلوه به ﴿ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شيئا ﴾ [محمد : ٣٢] هو نصب على المصدر أي شيئاً من الضرر.
الآية الأولى فيمن نافق من المتخلفين أو ارتد عن الإسلام، والثانية في جميع الكفار أو على العكس ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلا يَحْسَبَنَّ ﴾ وثلاثة بعدها مع ضم الباء في " يحسبنهم " بالياء : مكي وأبو عمرو، وكلها بالتاء : حمزة، وكلها بالياء : مدني وشامي إلا ﴿ فَلا تَحْسَبَنَّهُم ﴾ [آل عمران : ١٨٨] فإنها بالتاء.
الباقون : الأوليان بالياء والأخريان بالتاء.
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] فيمن قرأ بالياء رفع أي ولا يحسبن الكافرون.
و " أن مع اسمه وخبره في قوله ﴿ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لانفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٧٨] في موضع المفعولين لـ " يحسبن " والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا إملاءنا خيراً لأنفسهم.
وما مصدرية وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا يخالف.
وفيمن قرأ بالتاء نصب أي ولا تحسبن الكافرين وأنما نملي لهم خير لأنفسهم بدل من الكافرين، أي ولا تحسبن أن ما نملي للكافرين خير لهم، وأن مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين، والإملاء لهم إمهمالهم وإطالة عمرهم.
﴿ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾ [آل عمران : ١٧٨] ما هذه حقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون الأولى، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها كأنه قيل : ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيراً لهم؟ فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً.
والآية حجة لنا على المعتزلة في مسألتي الأصلح وإرادة المعاصي ﴿ وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [آل عمران : ١٧٨].
اللام في ﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ [آل عمران : ١٧٩] من اختلاط
٢٩٣
المؤمنين الخلص والمنافقين لتأكيد النفي ﴿ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران : ١٧٩] حتى يعزل المنافق عن المخلص.
يميز : حمزة وعلي.
والخطاب في أنتم للمصدقين من أهل الإخلاص والنفاق كأنه قيل : ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض حتى يميزهم منكم بالوحي إلى نبيه وإخباره بأحوالكم
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٠
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ [آل عمران : ١٧٩] وما كان الله ليؤتي أحد منكم علم الغيوب فلا تتوهموا عند إخبار الرسل بنفاق الرجل وإخلاص الآخر أنه يطلع على ما في القلوب إطلاع الله فيخبر عن كفرها وإيمانها ﴿ وَلاـَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ١٧٩] أي ولكن الله يرسل الرسول فيوحي إليه ويخبره بأن في الغيب كذا وأن فلاناً في قلبه النفاق وفلاناً في قلبه الإخلاص، فيعلم ذلك من جهة إخبار الله لا من جهة نفسه.
والآية حجة على الباطنية فإنهم يدعون ذلك العلم لإمامهم فإن لم يثبتوا النبوة له صاروا مخالفين للنص حيث أثبتوا علم الغيب لغير الرسول، وإن أثبتوا النبوة له صاروا مخالفين لنص آخر وهو قوله ﴿ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ ﴾ [الأحزاب : ٤٠] (الأحزاب : ٠٤) ﴿ فَـاَامِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [آل عمران : ١٧٩] بصفة الإخلاص ﴿ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا ﴾ [آل عمران : ١٧٩] النفاق ﴿ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران : ١٧٩] في الآخرة.
﴿ وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـاـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٠] من قرأ بالتاء قدر مضافاً محذوفاً أي ولا تسحبن بخل الباخلين وهو فصل وخيراً لهم مفعول ثانٍ، وكذا من قرأ بالياء وجعل فاعل يحسبن ضمير رسول الله أو ضمير أحد، ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان التقدير : ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خير لهم وهو فصل وخيراً لهم مفعول ثانٍ ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] أي البخل ﴿ شَرٌّ لَّهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٠] لأن أموالهم ستزول عنهم ويبقى عليهم وبال البخل ﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [آل عمران : ١٨٠] تفسير لقوله ﴿ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٠] أي سيجعل مالهم الذي منعوه عن الحق طوقاً في أعناقهم كما جاء في الحديث من منع زكاة ماله يصير حية ذكراً
٢٩٤