النساء : ٣٣] أي هو عالم الغيب والشهادة وهو أبلغ وعد ووعيد.
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٣٤] يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا وسموا قواماً لذلك ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء : ٣٤] الضمير في بعضهم للرجال والنساء يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن لسبب تفضيل الله بعضهم ـــــ وهم الرجال ـــــ على بعض ـــــ وهم النساء ـــــ بالعقل والعزم والحزم والرأي والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة وتكبير التشريق ـــــ عند أبي حنيفة رحمه الله ـــــ والشهادة في الحدود والقصاص وتضعيف الميراث والتعصيب فيه وملك النكاح والطلاق وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم.
﴿ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء : ٣٤] وبأن نفقتهن عليهم وفيه دليل وجوب نفقتهن عليهم.
ثم قسمهن على نوعين.
النوع الأول ﴿ فَالصَّـالِحَـاتُ قَـانِتَـاتٌ ﴾ [النساء : ٣٤] مطيعات قائمات بما عليهن للأزواج ﴿ حَـافِظَـاتٌ لِّلْغَيْبِ ﴾ [النساء : ٣٤] لمواجب الغيب وهو خلاف الشهادة أي إذ كان الأزواج غير شاهدين لهن حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والبيوت والأموال.
وقيل : للغيب لأسرارهم ﴿ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء : ٣٤] بما حفظهن الله حين أوصى بهن الأزواج بقوله :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء : ١٩] (النساء : ٩١).
أو بما حفظهن الله وعصمهن ووفقهن
٣٢٨
لحفظ الغيب، أو بحفظ الله إياهن حيث صيرهن كذلك.
والثاني ﴿ وَالَّـاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ عصيانهن وترفعهن عن طاعة الأزواج.
والنشز : المكان المرتفع والنبوة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن تستخف بحقوق زوجها ولا تطيع أمره ﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾ خوفوهن عقوبة الله تعالى.
والضرب والعظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ ﴾ [النساء : ٣٤] في المراقد أي لا تداخلوهن تحت اللحف وهو كناية عن الجماع، أو هو أن يوليها ظهره في المضجع لأنه لم يقل عن المضاجع
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٢
﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ ضرباً غير مبرح.
أمر بوعظهن أولاً ثم بهجرانهن في المضاجع، ثم بالضرب إلى أن ينجع فيهن الوعظ والهجران ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ﴾ [النساء : ٣٤] بترك النشوز ﴿ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا ﴾ [النساء : ٣٤] فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى وسبيلاً مفعول تبغوا وهو من بغيت الأمر أي طلبته ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء : ٣٤] أي إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهن، أو إن الله كان علياً كبيراً وإنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجع.
ثم خاطب الولاة بقوله ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ [النساء : ٣٥] أصله " شقاقاً بينهما " فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع كقوله :﴿ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [سبأ : ٣٣] (سبأ : ٣٣).
وأصله بل مكر في الليل والنهار.
والشقاق : العداوة والخلاف، لأن كلاًّ منهما يفعل ما يشق على صاحبه، أو يميل إلى شق أي ناحية غير شق صاحبه والضمير للزوجين ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء ﴿ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ ﴾ [النساء : ٣٥] رجلاً يصلح للحكومة والإصلاح بينها ﴿ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ [النساء : ٣٥] وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهم فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة.
والضمير في ﴿ إِن يُرِيدَآ إِصْلَـاحًا ﴾ [النساء : ٣٥] للحكمين، وفي ﴿ يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ ﴾ [النساء : ٣٥] للزوجين أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة بورك في وساطتهما، وأوقع الله بحسن سعيهما بين
٣٢٩