﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا ﴾ [النساء : ٤٥] في النفع ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء : ٤٥] في الدفع فثقوا بولايته ونصرته دونهم، أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم.
و " ولياً " و " نصيراً " منصوبان على التمييز أو على الحال.
﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾ [النساء : ١٦٠] بيان للذين أوتوا نصيباً من الكتاب، أو بيان لأعدائكم، وما بينهما اعتراض، أن يتعلق بقوله نصيراً أي ينصركم من الذين هادوا كقوله ﴿ وَنَصَرْنَـاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ [الأنبياء : ٧٧] (الأنبياء : ٧٧) أو يتعلق بمحذوف تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم، فقوم مبتدأ ويحرفون صفة له، والخبر من الذين هادوا مقدم عليه، وحذف الموصوف وهو قوم وأقيم صفته، وهو ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة : ١٣] يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلماً غيره فقد أمالوه عن مواضعه في التوراة التي وضعه الله تعالى فيها وأزالوه عنها ـــــ مقامه وذلك نحو تحريفهم " أسمر ربعة " عن موضعه في التوراة بوضعهم " آدم طوال " مكانه.
ثم ذكر هنا عن مواضعه وفي المائدة ﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة : ٤١] (المائدة : ١٤) فمعنى عن مواضعه على ما بينا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه، ومعنى
٣٣٤
﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة : ٤١] أنه كانت له مواضع هو جدير بأن يكون فيها، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاربان ﴿ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ﴾ [النساء : ٤٦] قولك ﴿ وَعَصَيْنَا ﴾ أمرك قيل أسرّوا به ﴿ وَاسْمَعْ ﴾ قولنا ﴿ غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾ [النساء : ٤٦] حال من المخاطب أي اسمع وأنت غير مسمع وهو قول ذو وجهين يحتمل الذم أي اسمع منا مدعواً عليك بلا سمعت، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئاً فكان أصم غير مسمع، قالوا ذلك اتكالاً على أن قولهم " لا سمعت " دعوة مستجابة، أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعوه إليه ومعناه غير مسمع جواباً يوافقك فكأنك لم تسمع شيئاً، أو إسمع غير مسمع كلاماً ترضاه فسمعك عنه ناب.
ويحتمل المدح أي اسمع غير مسمع مكروهاً من قولك " أسمع فلان فلاناً " إذا سبه.
وكذلك قوله
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٠
﴿ وَرَاعِنَا ﴾ يحتمل راعنا نكلمك أي ارقبنا وانتظرنا، ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهي " راعينا " فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله عليه وسلّم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام ﴿ لَيَّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ﴾ [النساء : ٤٦] فتلا بها وتحريفاً أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعنا موضع انظرنا وغير مسمع موضع " لا أسمعت مكروهاً "، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقاً ﴿ وَطَعْنًا فِى الدِّينِ ﴾ [النساء : ٤٦] هو قولهم :" لو كان نبياً حقاً لأخبر بما نعتقد فيه " ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النساء : ٤٦] ولم يقولوا وعصينا ﴿ وَاسْمَعْ ﴾ ولم يلحقوا به غير مسمع ﴿ وَانظُرْنَا ﴾ مكان " راعنا " ﴿ لَكَانَ ﴾ قولهم ذاك ﴿ خَيْرًا لَّهُمْ ﴾ [محمد : ٢١] عند الله ﴿ وَأَقْوَمَ ﴾ وأعدل وأسد ﴿ وَلَـاكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ ﴾ [النساء : ٤٦] طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر ﴿ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء : ٤٦] منهم قد آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه، أو إلا إيماناً قليلاً ضعيفاً لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٠
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥


الصفحة التالية
Icon