جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ ﴾ [النساء : ٥١] أي الأصنام وكل ما عبدوه من دون الله ﴿ وَالطَّـاغُوتِ ﴾ الشيطان ﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلا ﴾ [النساء : ٥١] وذلك أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشاً على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : أنتم أهل الكتاب وأنتم إلى محمد أقرب منا وهو أقرب منكم إلينا فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا، فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس عليه اللعنة فيما فعلوا.
فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلاً أم محمد؟ فقال كعب : أنتم أهدى سبيلاً.
﴿ أؤلئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ [محمد : ٢٣] أبعدهم من رحمته ﴿ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾ [النساء : ٥٢] يعتد بنصره.
ثم وصف اليهود بالبخل والحسد وهما من شر الخصال، يمنعون ما لهم ويتمنون ما لغيرهم فقال ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ ﴾ [النساء : ٥٣] فـ " أم " منقطعة ومعنى الهمزة الإنكار أن يكون
٣٣٧
لهم نصيب من الملك ﴿ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾ [النساء : ٥٣] أي لو كان لهم نصيب من الملك أي ملك أهل الدينا أو ملك الله فإذا لا يؤتون أحداً مقدار نقير لفرط بخلهم، والنقير : النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة كالفتيل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
﴿ مَآ ءَاتَـاـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [النساء : ٥٤] بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه، وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم ﴿ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَـابَ ﴾ [النساء : ٥٤] أي التوراة ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ الموعظة والفقه ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ﴾ [النساء : ٥٤] يعني ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، وهذا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين هم أسلاف محمد عليه السلام، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما أوتي أسلافه ﴿ فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ ﴾ [النساء : ٥٥] فمن اليهود من آمن بما ذكر من حديث آل إبراهيم ﴿ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ﴾ [النساء : ٥٥] وأنكره مع علمه بصحته، أو من اليهود من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلّم ومنهم من أنكر نبوته وأعرض عنه ﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ﴾ [النساء : ٥٥] للصادين.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـاَايَـاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ﴾ [النساء : ٥٦] ندخلهم ﴿ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم ﴾ [النساء : ٥٦] أحرقت ﴿ بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ﴾ [النساء : ٥٦] أعدنا تلك الجلود غير محترقة، فالتبديل والتغيير لتغاير الهيئتين لا لتغاير الأصلين عند أهل الحق خلافاً للكرامية.
وعن فضيل : يجعل النضيج غير نضيج ﴿ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ [النساء : ٥٦] ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز :" أعزك الله " أي أدامك على عزك ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا ﴾ [النساء : ٥٦] غالباً بالانتقام لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين ﴿ حَكِيمًا ﴾ فيما يفعل بالكافرين
٣٣٨
﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ [النساء : ٥٧] من الأنجاس والحيض والنفاس ﴿ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا ﴾ [النساء : ٥٧] هو صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال :" ليل أليل " وهو ماكان طويلاً فيناناً لا وجوب فيه ودائماً لا تنسخه الشمس وسجسجاً لا حر فيه ولا برد، وليس ذلك إلا ظل الجنة.
ثم خاطب الولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل بقوله :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥