المخلصون أو يشترون، والمراد المنافقون الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، وعضوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجاهدوا في سبيل الله حق جهاده ﴿ وَمَن يُقَـاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : ٧٤] وعد الله المقاتل في سبيل الله ظافراً أو مظفوراً به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين الله.
﴿ وَمَا لَكُمْ ﴾ [الأنعام : ١١٩] مبتدأ وخبر، وهذا الاستفهام في النفي للتنبيه على الاستبطاء، وفي الإثبات للإنكار ﴿ لا تُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [النساء : ٧٥] حال والعامل فيها الاستقرار كما تقول " مالك قائماً " والمعنى وأي شيء لكم تاركين القتال وقد ظهرت دواعيه ﴿ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ﴾ مجرور بالعطف على سبيل الله أي في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص منه أي واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين من المستضعفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه.
والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد ﴿ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ ﴾ [النساء : ٧٥] ذكر الولدان تسجيلاً بإفراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين إرغاماً لآبائهم وأمهاتهم، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالاً لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس عليه السلام.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـاذِهِ الْقَرْيَةِ ﴾ [النساء : ٧٥] يعني مكة ﴿ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤١
النساء : ٧٥] الظالم وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فأعطي إعراب القرية لأنه صفتها وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول " من هذه القرية التي ظلم أهلها " ﴿ وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴾ [النساء : ٧٥] يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا ﴿ وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء : ٧٥] ينصرنا عليهم.
كانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد عليه السلام، فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر.
ولما خرج محمد صلى الله عليه وسلّم استعمل عتاب بن أسيد فرأوا منه
٣٤٥
الولاية والنصرة كما أرادوا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة ثم رغب الله المؤمنين بأنهم يقاتلون في سبيل الله فهو وليهم وناصرهم، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولي لهم إلا الشيطان بقوله ﴿ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّـاغُوتِ ﴾ [النساء : ٧٦] أي الشيطان ﴿ فَقَـاتِلُوا أَوْلِيَآءَ الشَّيْطَـانِ ﴾ [النساء : ٧٦] أي الكفار ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَـانِ ﴾ [النساء : ٧٦] أي وساوسه.
وقيل : الكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال ﴿ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء : ٧٦] لأنه غرور لا يؤول إلى محصول، أوكيده في مقابلة نصر الله ضعيف.
كان المسلمون مكفوفين عن القتال مع الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤١


الصفحة التالية
Icon