﴿ وَهُوَ خَـادِعُهُمْ ﴾ [النساء : ١٤٢] وهو فاعل بهم ما يفعل المغالب في الخداع حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في العقبى.
والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه.
وقيل : يجزيهم جزاء خداعهم.
﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَواةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾ [النساء : ١٤٢] متثاقلين كراهة، أما الغفلة فقد يبتلى بها المؤمن وهو جمع كسلان كسكارى في سكران ﴿ يُرَآءُونَ النَّاسَ ﴾ [النساء : ١٤٢] حال أي يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة.
والمرأة مفاعلة من الرؤية لأن المرائي يريهم عمله وهم يرونه استحساناً ﴿ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء : ١٤٢] ولا يصلون إلا قليلاً لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس، أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكراً قليلاً نادراً.
قال الحسن : لو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيراً ﴿ مُّذَبْذَبِينَ ﴾ نصب على الذم أي مردّدين يعني ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر فهم مترددون بينهما متحيرون، وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يدفع فلا يقر في جانب واحد إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب ﴿ بَيْنَ ذَالِكَ ﴾ [النساء : ١٥٠] بين الكفر والإيمان ﴿ لا إِلَى هؤلاء ﴾ [النساء : ١٤٣] لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونوا مؤمنين ﴿ وَلا إِلَـاى هؤلاء ﴾ [النساء : ١٤٣] ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسموا مشركين ﴿ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلا ﴾ [النساء : ٨٨] طريقاً إلى الهدى.
٣٧٥
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴾ [النساء : ١٤٤] حجة بينه في تعذيبكم ﴿ إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء : ١٤٥] أي في الطبق الذي في قعر جنهم، والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض.
وإنما كان المنافق أشد عذاباً من الكافر لأنه أمن السيف في الدنيا فاستحق الدرك الأسفل في العقبي تعديلاً، ولأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله.
والدرك بسكون الراء : كوفي غير الأعشى، وبفتح الراء : غيرهم.
وهما لغتان، وذكر الزجاج أن الاختيار فتح الراء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٥
﴿ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء : ١٤٥] يمنعهم من العذاب ﴿ إِلا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ [آل عمران : ٨٩] من النفاق وهو استثناء من الضمير المجرور في " ولن تجد لهم نصير " ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق ﴿ وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ ﴾ [الحج : ٧٨] ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص ﴿ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ﴾ [النساء : ١٤٦] لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه ﴿ فَأُوالَـائكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء : ١٤٦] فهم أصحاب المؤمنين ورفاقهم في الدارين ﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : ١٤٦] فيشاركونهم فيه.
وحذفت الياء في الخط هنا إتباعاً للفظ.
ثم استفهم مقرراً أنه لا يعذب المؤمن الشاكر فقال ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ ﴾ [النساء : ١٤٧] لله ﴿ وَءَامَنتُمْ ﴾ به فـ " ما " منصوبة بـ " يفعل " أي أي شيء يفعل بعذابكم؟ فالإيمان معرفة المنعم، والشكر الاعتراف بالنعمة، والكفر بالمنعم والنعمة عناد، فلذا استحق الكافر العذاب.
وقدم الشكر على الإيمان لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكراً مبهماً، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكراً مفصلاً فكان الشكر متقدماً على الإيمان ﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا ﴾ [النساء : ١٤٧] يجزيكم على شكركم أو يقبل اليسير من العمل ويعطي الجزيل من الثواب ﴿ عَلِيمًا ﴾ عالماً بما تصنعون.
٣٧٦