﴿ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّواءِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ [النساء : ١٤٨] ولا غير الجهر ولكن الجهر أفحش ﴿ إِلا مَن ظُلِمَ ﴾ [النمل : ١١] إلا جهر من ظلم استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء.
وقيل : الجهر بالسوء من القول هو الشتم إلا من ظلم فإنه إن رد عليه مثله فلا حرج عليه ﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ [الشورى : ٤١] (الشورى : ١٤) ﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعَا ﴾ [النساء : ١٣٤] لشكوى المظلوم ﴿ عَلِيمًا ﴾ بظلم الظالم.
ثم حث على العفو وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار بعد ما أطلق الجهر به حثاً على الأفضل، وذكر إبداء الخير وإخفاءه تشبيباً للعفو فقال ﴿ إِن تُبْدُوا خَيْرًا ﴾ [النساء : ١٤٩] مكان جهر السوء ﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ [النساء : ١٤٩] فتعملوه سراً ثم عطف العفو عليهما فقال ﴿ أَوْ تَعْفُوا عَن سُواءٍ ﴾ [النساء : ١٤٩] أي تمحوه عن قلوبكم والدليل على أن العفو هو المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه قوله ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء : ١٤٩] أي إنه لم يزل عفواً عن الآثام مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنته.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٥
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ﴾ [النساء : ١٥٠] كاليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام والإنجيل والقرآن، وكالنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلّم والقرآن ﴿ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَالِكَ سَبِيلا ﴾ [النساء : ١٥٠] أي ديناً وسطاً بين الإيمان والكفر ولا واسطة بينهما ﴿ أؤلئك هُمُ الْكَـافِرُونَ ﴾ [النساء : ١٥١] هم الكاملون في الكفر لأن الكفر بواحد كفر بالكل ﴿ حَقًّا ﴾ تأكيد لمضمون الجملة كقولك " هذا عبد الله حقاً " أي حق ذلك حقاً وهو كونهم كاملين في الكفر، أو هو صفة لمصدر الكافرين أي هم الذين كفروا حقاً ثابتاً يقيناً لا شك فيه ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ [النساء : ٣٧] في الآخرة ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ﴾ [النساء : ١٥٢] وإنما جاز دخول " بين " على " أحد " لأنه عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعها
٣٧٧
﴿ أؤلئك سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ ﴾ [النساء : ١٥٢] وبالياء : حفص ﴿ أُجُورَهُمْ ﴾ أي الثواب الموعود لهم ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ [النساء : ٩٦] يستر السيئات ﴿ رَّحِيمًا ﴾ يقبل الحسنات، والآية تدل على بطلان قول المعتزلة في تخليد المرتكب الكبيرة لأنه أخبر أن من آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد منهم يؤتيه أجره، ومرتكب الكبيرة ممن آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد فيدخل تحت الوعد، وعلى بطلان قول من لا يقول بقدم صفات الفعل من المغفرة والرحمة لأنه قال :" وكان الله غفوراً رحيماً " وهم يقولون : ما كان الله غفوراً رحيماً في الأزل ثم صار غفوراً رحيماً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٥