﴿ رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ [النساء : ١٦٥] الأوجه أن ينتصب على المدح أي أعني رسلاً، ويجوز أن يكون بدلاً من الأول، وأن يكون مفعولاً أي وأرسلنا رسلاً.
واللام في ﴿ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء : ١٦٥] يتعلق بـ " مبشرين " ومنذرين والمعنى أن إرسالهم إزاحة للعلة وتتميم لإلزام الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولاً فيوقظنا من سنة الغفلة، وينبهنا بما وجب الانتباه له، ويعلمنا ما سبيل معرفته السمع كالعبادات والشرائع أعني في حق مقاديرها وأوقاتها وكيفياتها دون أصولها فإنها مما يعرف بالعقل ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ﴾ [النساء : ١٥٨] في العقاب على الإنكار ﴿ حَكِيمًا ﴾ في بعث الرسل للإنذار.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨١
ولما نزل " إنا أوحينا إليك " قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل ﴿ لَّـاكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ ﴾ [النساء : ١٦٦] ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات إذ الحكيم لا يؤيد الكاذب بالمعجزة ﴿ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ [النساء : ١٦٦] أي أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه، أو أنزله بما علم من مصالح العباد، وفيه نفي قول المعتزلة في إنكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم ﴿ وَالْمَلَـائكَةُ يَشْهَدُونَ ﴾ [النساء : ١٦٦] لك بالنبوة ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء : ٧٩] شاهداً وإن لم يشهد غيره ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء : ٥٦] بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلّم وهم اليهود ﴿ وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد : ١] ومنعوا الناس عن سبيل الحق بقولهم للعرب " إنا لا نجده في كتابنا " ﴿ قَدْ ضَلُّوا ضَلَـا بَعِيدًا ﴾ [النساء : ١٦٧] عن الرشد ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء : ٥٦] بالله ﴿ وَظَلَمُوا ﴾ محمداً عليهم السلام بتغيير نعته وإنكار نبوته ﴿ لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ [النساء : ١٣٧] ما داموا على الكفر ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ وكان
٣٨٣
تخليدهم في جهنم سهلاً عليه، والتقدير يعاقبهم خالدين فهوحال مقدرة والآيتان في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ويموتون على الكفر.
﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ [النساء : ١٧٠] أي بالإسلام أو هو حال أي محقاً ﴿ فَـاَامِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ﴾ [النساء : ١٧٠] وكذلك ﴿ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ﴾ [النساء : ١٧١] انتصابه بمضمر، وذلك أنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال " خيراً لكم " أي اقصدوا وأتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث وهو الإيمان به والتوحيد ﴿ وَالارْضِ ﴾ فلا يضره كفركم ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٧] بمن يؤمن وبمن يكفر ﴿ حَكِيمًا ﴾ لا يسوي بينهما في الجزاء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨١