﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَـاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ الجمهور على أن هذا السؤال يكون في يوم القيامة دليله سياق الآية وسباقها.
وقيل : خاطبه به حين رفعه إلى السماء دليله لفظ " إذ " ﴿ قَالَ سُبْحَـانَكَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] من أن يكون لك شريك ﴿ مَا يَكُونُ لِى ﴾ [يونس : ١٥] ما ينبغي لي ﴿ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ﴾ [المائدة : ١١٦] أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقوله ﴿ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ﴾ [المائدة : ١١٦] إن صح أني قلته فيما مضى فقد علمته، والمعنى : أني لا أحتاج إلى الاعتذار لأنك تعلم أني لم أقله ولو قلته لعلمته لأنك ﴿ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى ﴾ [المائدة : ١١٦] ذاتي ﴿ وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ﴾ [المائدة : ١١٦] ذاتك.
فنفس الشيء ذاته وهويته والمعنى : تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ﴿ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة : ١٠٩] تقرير للجملتين معاً لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلم علام الغيوب لا ينتهي إليه علم أحد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥
﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَآ أَمَرْتَنِى بِهِ ﴾ [المائدة : ١١٧] أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به.
ثم فسر ما أمر به فقال :﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ﴾ [المائدة : ١١٧] فـ " أن " مفسرة بمعنى " أي "
٤٤٥
﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [المائدة : ١١٧] رقيباً ﴿ مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ [المائدة : ١١٧] مدة كوني فيهم ﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [المائدة : ١١٧] الحفيظ ﴿ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة : ١١٧] من قولي وفعلي وقولهم وفعلهم ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة : ١١٨] قال الزجاج : علم عيسى عليه السلام أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر فقال في جملتهم " إن تعذبهم " أي إن تعذب من كفر منهم فإنهم عبادك الذين علمتهم جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك وأنت العادل في ذلك فإنهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم، وإن تغفر لهم أي لمن أقلع منهم وآمن فذلك تفضل منك، وأنت عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك، أو عزيز قوي قادر على الثواب، حكيم لا يعاقب إلا عن حكمة وصواب ﴿ قَالَ اللَّهُ هَـاذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّـادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ [المائدة : ١١٩] برفع اليوم والإضافة على أنه خبر هذا أي يقول الله تعالى " هذا يوم ينفع الصادقين " فيه صدقهم المستمر في دنياهم وآخرتهم.
والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب على المفعولية كما تقول " قال زيد عمرو منطلق "، وبالنصب : نافع.
على الظرف أي قال الله هذا لعيسى عليه السلام يوم ينفع الصادقين صدقهم وهو يوم القيامة ﴿ لَهُمْ جَنَّـاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [المائدة : ١١٩] بالسعي المشكور ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [المجادلة : ٢٢] بالجزاء الموفور ﴿ ذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة : ١١٩] لأنه باقٍ بخلاف الفوز في الدنيا فهو غير باقٍ ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا فِيهِنَّ ﴾ عظم نفسه عما قالت النصارى إن معه إلهاً آخر ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرُ ﴾ [المائدة : ١٢٠] من المنع والإعطاء والإيجاد والإفناء، نسأله أن يوفقنا لمرضاته ويجعلنا من الفائزين بجناته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
٤٤٦
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥


الصفحة التالية
Icon