أي مالك الأمر كله في يوم الدين.
والتخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه لله وحده، وإنما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية لأنه أريد به الاستمرار فكانت الإضافة حقيقية، فساغ أن يكون صفة للمعرفة، وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه وتعالى من كونه رباً أي مالكاً للعالمين ومنعماً بالنعم كلها ومالكاً للأمر كله يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٤] دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة : ٥] إيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر، والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الإعراب.
وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل.
وقال للكوفيون : إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص، والمعنى نخصك بالعبادة وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل، ونخصك بطلب المعونة، وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات، وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [يونس : ٢٢] (يونس : ٢٢)، وقوله :﴿ وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَـاهُ ﴾ [فاطر : ٩] (فاطر : ٩)، وقول امريء القيس :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
تطاول ليلك بالإثمد
ونام الخلي ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد
وذلك من نبإٍ جاءني
وخبرته عن أبي الأسود
فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلي وبت وجاءه، والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القلوب
٣٥
عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذ إصغائه، وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم.
ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء، وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك.
وقدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة، أو لنظم الآي كما قدم الرحمن، وإن كان الأبلغ لا يقدم.
وأطلقت الاستعانة لتتناول كل مستعان، فيه، ويجوز أن يراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادات ويكون قوله : اهدنا بياناً للمطلوب من المعونة كأنه قيل : كيف أعينكم؟ فقالوا :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة : ٦] أي ثبتنا على المنهاج الواضح كقولك للقائم : قم حتى أعود إليك أي أثبت على ما أنت عليه.
أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال.
وهدى يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد، فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدياً إليه بنفسه كهذه الآية، وقد جاء متعدياً باللام وبإلى كقوله تعالى :﴿ هَدَاـانَا لِهَـاذَا ﴾ [الأعراف : ٤٣] (الأعراف : ٣٤) وقوله :﴿ هَدَاـانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ (الأنعام : ١٦١).
والسراط : الجادة من سرط الشيء إذا ابتلعه كأنه يسرط السابلة إذا سلكوه.
والصراط من قلب السين صاداً لتجانس الطاء في الإطباق لأن الصاد والضاد والطاء والظاء من حروف الإطباق، وقد تشم الصاد صوت الزاي لأن الزاي إلى الطاء أقرب لأنهما مجهورتان وهي قراءة حمزة،
٣٦
والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن وهي الأصل في الكلمة، والباقون بالصاد الخالصة وهي لغة قريش وهي الثابتة في المصحف الإمام، ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل، والمراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة : ٧] بدل من الصراط وهو في حكم تكرير العامل، وفائدته التأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده وهم المؤمنون أو الأنبياء عليهم السلام أو قوم موسى صلى الله عليه وسلّم قبل أن يغيروا ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّآلِّينَ ﴾ [الفاتحة : ٧] بدل من الذين أنعمت عليهم، يعني أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة للذين، يعني أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله والضلال.
وإنما ساغ وقوعه صفة للذين وهو معرفة و " غير " لا يتعرف بالإضافة لأنه إذا وقع بين متضادين وكانا معرفتين تعرف بالإضافة نحو عجبت من الحركة غير السكون.
والمنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان، ولأن الذين قريب من النكرة لأنه لم يرد به قوم بأعيانهم وغير المغضوب عليهم قريب من المعرفة للتخصيص الحاصل له بإضافته، فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه فاستويا.
وعليهم الأولى محلها النصب على المفعولية، ومحل الثانية الرفع على الفاعلية.
وغضب الله إرادة الانتقام من المكذبين وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على ما تحت يده.
وقيل : المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى :﴿ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة : ٦٠] (المائدة : ٠٦) والضالون هم النصارى لقوله تعالى ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ ﴾ [المائدة : ٧٧] (المائدة : ٧٧)، ولا زائدة عند البصريين للتوكيد، وعند الكوفيين هي بمعنى غير.
آمين صوت سمي به الفعل الذي هو استجب كما أن رويد اسم لأمهل.
وعن ابن
٣٧
عباس رضي الله عنهما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن معنى آمين فقال :" افعل " وهو مبني وفيه لغتان : مد ألفه وقصرها وهو الأصل والمد بإشباع الهمزة قال :
يا رب لا تسلبّني حبها أبدا
ويرحم الله عبداً قال آمينا
وقال : آمين فزاد الله ما بيننا بعداً.
قال عليه السلام :" لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب " وقال : إنه كالختم على الكتاب.
وليس من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف.
٣٨


الصفحة التالية
Icon