ونحوه " هو على الحق وعلى الباطل وقد صرحوا بذلك في قولهم : جعل الغواية مركباً، وامتطى الجهل، واقتعد غارب الهوى.
ومعنى هدى ﴿ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ [محمد : ٣] أي أوتوه من عنده.
ونكر هدى ليفيد ضرباً مبهماً لا يبلغ كنهه كأنه قيل على أي هدى ونحوه " لقد وقعت على لحم " أي على لحم عظيم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩
﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة : ٥] أي الظافرون بما طلبوا الناجون عما هربوا ؛ فالفلاح درك البغية والمفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر، والتركيب دال على معنى الشق والفتح وكذا أخواته في الفاء والعين نحو " فلق وفلز وفلى "، وجاء العطف هنا بخلاف قوله :﴿ أؤلئك كَالانْعَـامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أؤلئك هُمُ الْغَـافِلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] الأعراف : ٩٧١) لاختلاف الخبرين المقتضيين للعطف هنا واتحاد الغفلة والتشبيه بالبهائم ثمّ، فكانت الثانية مقررة للأولى فهي من العطف بمعزل، وهم فصل.
وفائدته الدلالة على أن الوارد بعده خبر لاصفة والتوكيد وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره، أو هو مبتدأ و " المفلحون " خبره، والجملة خبر " أولئك " فانظر كيف قرر الله عز وجل التنبيه على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله أحد على طرق شتى وهي ذكر إسم الإشارة وتكريره، ففيه تنبيه على أنهم كما ثبت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح.
وتعريف المفلحون ففيه دلالة على أن المتقين هم الناس الذين بلغك أنهم يفلحون في الآخرة كما إذا بلغك أن إنساناً قد تاب من أهل بلدك فاستخبرت من هو؟ فقيل : زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته.
وتوسيط الفصل بينه وبين أولئك ليبصرك مراتبهم ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك لتقديم ما قدموا.
اللهم زينا بلباس التقوى واحشرنا في زمرة من صدرت بذكرهم سورة البقرة (الآيتان : ٦، ٧).
لما قدم ذكر أوليائه بصفاتهم المقربة إليه، وبيّن أن الكتاب هدى لهم قفى على أثره بذكر أضدادهم وهم العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى.
بقوله
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء : ٥٦] الكفر ستر الحق بالجحود، والتركيب دال على الستر ولذا سمي الزراع كافراً وكذا الليل.
ولم يأت بالعاطف هنا كما في قوله :﴿ إِنَّ الابْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ ﴾ (الأنفطار : ٣١، ٤١) لأن الجملة الأولى هنا مسوقة بياناً لذكر الكتاب لا خبراً عن المؤمنين وسيقت الثانية للإخبار عن الكفار بكذا، فبين الجملتين تفاوت في المراد وهما على حد لا مجال للعطف فيه، ولئن كان مبتدأ على تقرير فهو كالجاري عليه، والمراد بالذين كفروا أناس بأعيانهم علم الله أنهم لا يؤمنون كأبي جهل وأبي لهب وأضرابهما.
﴿ سَوَا ءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ﴾ [البقرة : ٦] بهمزتين كوفي، وسواء بمعنى الاستواء، وصف به كما يوصف بالمصادر ومنه قوله تعالى :﴿ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء ﴾ [آل عمران : ٦٤] (آل عمران : ٤٦)، أي مستوية، وارتفاعه على أنه خبر لإن وأأنذرتهم أم لم تنذرهم مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل : إن الذين كفروا مستوٍ عليهم إنذارك وعدمه.
أو يكون سواء خبراً مقدماً وأأنذرتهم أم لم تنذرهم في موضع الابتداء أي سواء عليهم إنذارك وعدمه، والجملة خبر لـ إن وإنما جاز الإخبار عن الفعل مع أنه خبر أبداً لأنه من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى.
والهمزة وأم مجردتان لمعنى الاستواء وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأساً.
قال سيبويه : جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء في قولك " اللهم اغفر لنا أيتها العصابة " يعني أن هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام كما جرى ذلك على صورة النداء ولا نداء.
والإنذار التخويف من عقاب الله بالزجر على المعاصي
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨
﴿ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة : ٦] جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبر لإن، والجملة قبلها اعتراض أو خبر بعد خبر.
والحكمة في الإنذار مع العلم بالإصرار إقامة الحجة وليكون الإرسال عاماً وليثاب الرسول صلى الله عليه وسلّم
٤٨


الصفحة التالية
Icon