الله لأنزله جملة قال الله تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [الفرقان : ٣٢] (الفرقان : ٢٣)، فقيل : إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على تدريج ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ ﴾ [يونس : ٣٨] أي فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلموا نجماً فرداً من نجومه سورة من أصغر السور.
والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات.
وواوها إن كانت أصلاً فإما أن تسمى بسور المدينة وهو حائطها لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسور، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارىء، وهي أيضاً في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار، أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين.
وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشيء.
وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً فهي كثيرة، ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسورة مترجمة السورة، وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبواباً موشحة الصدور بالتراجم.
منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بياناً واحداً، ومنها أن القارىء إذا ختم سورة أو باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، ومن ثم جزّأ القراء القرآن أسباعاً وأجزاء وعشوراً وأخماساً، ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ما حفظه ويجل في نفسه، ومنه حديث أنس رضي الله عنه كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا.
ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل.
﴿ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ [يس : ٤٢] متعلق بـ " سورة " صفة لها والضمير لما نزلنا أي بسورة كائنة من مثله يعني فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، أو لعبدنا أي فأتوا بمن هو على حاله من كونه أمياً لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء.
ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك.
ورد الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى :﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ [يونس : ٣٨] (يونس : ٨٣).
﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ ﴾ [هود : ١٣] (هود : ٣١).
﴿ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـاذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ [الإسراء : ٨٨] (الإسراء : ٨٨).
ولأن الكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيباً.
وذلك أن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق إليه فإن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذاً مما يماثله.
وقضية الترتيب لو كان الضمير مردوداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يقال : وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآناً من مثله، ولأن هذا التفسير يلائم قوله ﴿ وَادْعُوا شُهَدَآءَكُم ﴾ [البقرة : ٢٣] جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة ﴿ مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يس : ٧٤] أي غير الله وهو متعلق بـ " شهداءكم أي ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق أو من يشهد لكم بأنه مثل القرآن ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] إن ذلك مختلق وأنه من كلام محمد عليه السلام.
وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا أنتم بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك.
﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [البقرة : ٢٤] لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون صدق النبي عليه السلام، قال لهم : فإذا لم تعارضوه وبان عجزكم ووجب تصديقه فآمنوا وخافوا العذاب المعدّ لمن كذب وعاند.
وفيه دليلان على إثبات النبوة صحة كون المتحدى به معجزاً، والإخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه إلا الله.
ولما كان العجز عن المعارضة قبل التأمل كالشكوك فيه لديهم لاتكالهم على فصاحتهم واعتمادهم على بلاغتهم، سيق الكلام معهم على حسب حسبانهم فجيء بـ ؛ " إن " الذي للشك دون " إذا " الذي للوجوب، وعبّر عن الإتيان بالفعل


الصفحة التالية
Icon