﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَـامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـاذَا غَـافِلِينَ ﴾ (الأعراف : ١٧٢) الآية، وعهد خص به النبيين أن يبلغوا الرسالة ويقيموا الدين وهو قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَـاقَهُمْ ﴾ (الأحزاب : ٧) وعهد خص به العلماء وهو قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾، ﴿ مِن بَعْدِ مِيثَـاقِهِ ﴾ [البقرة : ٢٧] أصله من الوثاقة وهي إحكام الشيء، والضمير للعهد وهو ما وثقوا به عهد الله من قبوله
٧٦
وإلزامه أنفسهم، ويجوز أن يكون بمعنى توثقته كما أن الميعاد بمعنى الوعد أو لله تعالى أي من بعد توثقته عليهم و " من " لابتداء الغاية ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ [البقرة : ٢٧] هو قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين، أو قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة والاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض.
والأمر طلب الفعل بقول مخصوص على سبيل الاستعلاء، و " ما " نكرة موصوفة أو بمعنى الذي و " أن يوصل " في موضع جر بدل من الهاء أي بوصله، أو في موضع رفع أي هو أن يوصل ﴿ وَيُفْسِدُونَ فِى الارْضِ ﴾ [الرعد : ٢٥] بقطع السبيل والتعويق عن الإيمان ﴿ أُوالَـائِكَ ﴾ مبتدأ ﴿ هُمْ ﴾ فصل والخبر ﴿ الْخَـاسِرُونَ ﴾ أي المغبونون حيث استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح والعقاب بالثواب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠
﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٨] معنى الهمزة التي في " كيف " مثله في قولك : أتكفرون بالله ومعكم وما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان وهو الإنكار والتعجب، ونظيره قولك : أتطير بغير جناح وكيف تطير بغير جناح؟ والواو في ﴿ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا ﴾ [البقرة : ٢٨] نطفاً في أصلاب آبائكم للحال و " قد " مضمرة.
والأموات جمع ميت كالأقوال جمع قيل، ويقال لعادم الحياة أصلاً ميت أيضاً كقوله تعالى :﴿ بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ [ق : ١١] (الفرقان : ٩٤) ﴿ فَأَحْيَـاكُمْ ﴾ في الأرحام ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ [الجاثية : ٢٦] عند انقضاء آجالكم ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [الحج : ٦٦] للبعث ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة : ٢٨] تصيرون إلى الجزاء، أو ثم يحييكم في قبوركم ثم إليه ترجعون للنشور.
وإنما كان العطف الأول بالفاء والبواقي بثم لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بلا تراخٍ، وأما الموت فقد تراخى عن الحياة والحياة الثانية كذلك تتراخى عن الموت إن أريد النشور، وإن أريد إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخٍ عن النشور.
وإنما أنكر اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها لأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم على الكفر، ولأنها تشتمل على نعمٍ جسام حقها أن تشكر ولا تكفر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٧
﴿ هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الارْضِ ﴾ [البقرة : ٢٩] أي لأجلكم ولانتفاعكم به في
٧٧


الصفحة التالية
Icon