يسومونكم ولذا ترك العاطف ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾ [البقرة : ٤٩] يتركون بناتكم أحياء للخدمة، وإنما فعلوا بهم ذلك لأن الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يزول ملكه بسببه كما أنذروا نمرود فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ وكان ما شاء الله ﴿ وَفِى ذَالِكُم بَلاءٌ ﴾ [البقرة : ٤٩] محنة إن أشير بذلكم إلى صنع فرعون، ونعمة إن أشير به إلى الانتجاء.
﴿ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [آل عمران : ٤٩]، صفة لـ " بلاء " ﴿ عَظِيمٌ ﴾ صفة ثانية.
﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا ﴾ [البقرة : ٥٠] فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم.
وقرىء فرّقنا أي فصلنا يقال : فرق بين الشيئين وفرّق بين الأشياء لأن المسالك كانت اثني عشر على عدد الأسباط.
﴿ بِكُمُ الْبَحْرَ ﴾ [البقرة : ٥٠] كانوا يسلكونه ويتفرق الماء عند سلوكهم فكأنما فرق بهم، أو فرقناه بسببكم، أو فرقناه ملتبساً بكم فيكون في موضع الحال.
روي أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام : أين أصحابنا فنحن لا نرضى حتى نراهم، فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا، فقال بها على الحيطان فصارت فيها كوى فتراءوا وتسامعوا كلامهم.
﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَـاكُمْ وَأَغْرَقْنَآ ﴾ [البقرة : ٥٠] إلى ذلك وتشاهدونه ولا تشكون فيه.
وإنما قال ﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى ﴾ [البقرة : ٥١] لأن الله تعالى وعده الوحي ووعده هو المجيء للميقات إلى الطور.
وعدنا حيث كان بصري.
لما دخل بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه، وعد الله تعالى موسى أن ينزل عليه التوراة وضرب له ميقاتاً ذا القعدة وعشر ذي الحجة، وقال ﴿ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ [البقرة : ٥١] لأن الشهور غررها بالليالي وأربعين مفعول ثانٍ لـ " واعدنا لا ظرف لأنه ليس معناه واعدناه في أربعين ليلة ﴿ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ﴾ [البقرة : ٥١] أي إلها فحذف المفعول الثاني لـ " اتخذتم "، وبابه بالإظهار مكي وحفص ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ [الأحزاب : ٥٣] من بعد ذهابه إلى الطور، ﴿ وَأَنتُمْ ظَـالِمُونَ ﴾ [البقرة : ٥١] أي بوضعكم العبادة غير موضعها والجملة حال أي عبدتموه ظالمين.
﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم ﴾ [البقرة : ٥٢] محونا ذنبوكم عنكم.
﴿ مِّن بَعْدِ ذَالِكَ ﴾ [يوسف : ٤٨] من بعد اتخاذكم العجل.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ٥٢] لكي تشكروا النعمة في العفو عنكم.
٨٩
﴿ وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾ [البقرة : ٥٣] يعني الجامع بين كونه كتاباً منزلاً وفرقاناً يفرق بين الحق والباطل وهو التوراة ونظيره " رأيت الغيث والليث " تريد الرجل الجامع بين الجود والجرأة.
أو التوراة والبرهان الفارق بين الكفر والإيمان من العصا واليد وغيرهما من الآيات، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام.
وقيل : الفرقان انفلاق البحر أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه ﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة : ٥٣] لكي تهتدوا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٦
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ [إبراهيم : ٦] للذين عبدوا العجل.
﴿ لِقَوْمِهِ يَـاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ﴾ معبوداً ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ ﴾ [البقرة : ٥٤] هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت.
وفيه تقريع لما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم إبرياء من التفاوت إلى عبادة البقر الذي هو مثل في الغباوة والبلادة ﴿ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [البقرة : ٥٤] قيل : هو على الظاهر وهو البخع.
وقيل : معناه قتل بعضهم بعضاً.
وقيل : أمر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة فقتل سبعون ألفاً.
﴿ ذالِكُمْ ﴾ التوبة والقتل ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ﴾ [البقرة : ٥٤] من الإصرار على المعصية.
﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ﴾ [البقرة : ٥٤] المفضال بقبول التوبة وإن كثرت ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ يعفو الحوبة وإن كبرت.
والفاء الأولى للتسبيب لأن الظلم سبب التوبة، والثانية للتعقيب لأن المعنى فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم إذ الله تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم، والثالثة متعلقة بشرط محذوف كأنه قال فإن فعلتم فقد تاب عليكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٠


الصفحة التالية
Icon