﴿ وَإِذْ ﴾ أي واذكر إذ ﴿ ابْتَلَى إِبْرَاهِ مَ رَبُّهُ بِكَلِمَـاتٍ ﴾ [البقرة : ١٢٤] اختبره بأوامر ونواه.
والاختبار منا لظهور ما لم نعلم، ومن الله لإظهار ما قد علم، وعاقبة الابتلاء ظهور الأمر الخفي في الشاهد والغائب جميعاً فلذا تجوز إضافته إلى الله تعالى.
وقيل : اختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله تعالى وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك.
وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه :﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِ مَ رَبُّهُ بِكَلِمَـاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَـاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّـالِمِينَ ﴾ أي قام بهن حق القيام وأدّاهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوانٍ ونحوه ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى ﴾ [النجم : ٣٧] (النجم : ٧٣) ومعناه في قراءة أبي حنيفة رحمه الله فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئاً.
والكلمات على هذا ما سأل إبراهيم ربه في قوله :﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَـاذَا بَلَدًا ءَامِنًا ﴾ [البقرة : ١٢٦] (البقرة : ٦٢١).
﴿ وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ [البقرة : ١٢٨] (البقرة : ٨٢١).
١٢٣
﴿ وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ ﴾ [البقرة : ١٢٩] (البقرة : ٩٢١).
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ ﴾ [البقرة : ١٢٧] (البقرة : ٧٢١).
والكلمات على القراءة المشهورة خمس في الرأس : الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق.
وخمس في الجسد : الختان وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والاستنجاء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي ثلاثون سهماً من الشرائع : عشر في براءة ﴿ التَّـائِبُونَ ﴾ (الآية : ٢١)، وعشر في الأحزاب ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ ﴾ [الأحزاب : ٣٥] الآية، وعشر في " المؤمنين " و " المعارج " إلى قوله ﴿ يُحَافِظُونَ ﴾ وقيل : هي مناسك الحج ﴿ قَالَ إِنِّى جَـاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [البقرة : ١٢٤] هو اسم من يؤتم به أي يأتمون بك في دينهم.
﴿ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى ﴾ [البقرة : ١٢٤] أي واجعل من ذريتي إماماً يقتدى به.
ذرية الرجل أولاده ذكورهم وإناثهم فيه سواء.
فعيلة من الذرء أي الخلق فأبدلت الهمزة ياء.
﴿ قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ١٢٤] بسكون الياء : حمزة وحفص أي لا تصيب الإمامة أهل الظلم من ولدك أي أهل الكفر.
أخبر أن إمامة المسلمين لا تثبت لأهل الكفر وأن من أولاده المسلمين والكافرين قال الله تعالى :﴿ وَبَـارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَـاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ [الصافات : ١١٣] (الصافات : ٣١١).
والمحسن المؤمن والظالم الكافر.
قالت المعتزلة : هذا دليل على أن الفاسق ليس بأهل للإمامة قالوا : وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه فقد جاء المثل السائر " من استرعى الذئب ظلم ".
ولكنا نقول : المراد بالظالم الكافر هنا إذ هو الظالم المطلق.
وقيل : إنه سأل أن يكون ولده نبياً كما كان هو فأخبر أن الظالم لا يكون نبيا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٢
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٤
﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ ﴾ [البقرة : ١٢٥] أي الكعبة وهو اسم غالب لها كالنجم للثريا ﴿ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ ﴾ [البقرة : ١٢٥] مباءة ومرجعاً للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه ﴿ وَأَمْنًا ﴾ وموضع أمن فإن الجاني يأوي إليه فلا يتعرض له حتى يخرج وهو دليل لنا في الملتجىء إلى الحرم.
﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِ مَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة : ١٢٥] وقلنا أتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه.
وعنه عليه السلام أنه أخذ بيد عمر فقال " هذا مقام إبراهيم " فقال عمر أفلا نتخذه مصلى فقال عليه السلام " لم أومر بذلك ".
فلم تغب الشمس حتى
١٢٤


الصفحة التالية
Icon