﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [الانفال : ٣٧] (الأنفال : ٧٣) فوضع العلم موضع التمييز لأن العلم به يقع التمييز، أو ليعلم رسول الله عليه الصلاة والسلام والمؤمنون، وإنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه أو هو على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم كقولك لمن ينكر ذوب الذهب " فلنلقه في النار لنعلم أيذوب ".
﴿ وَإِن كَانَتْ ﴾ [البقرة : ١٤٣] أي التحويلة أو الجعلة أو القبلة.
وإن هي المخففة، واللام في ﴿ لَكَبِيرَةٌ ﴾ أي ثقيلة شاقة وهي خبر " كان " واللام فارقة ﴿ إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة : ١٤٣] أي هداهم الله فحذف العائد أي إلا على الثابتين الصادقين في اتباع الرسول.
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـانَكُمْ ﴾ [البقرة : ١٤٣] أي صلاتكم إلى بيت المقدس ؛ سمى الصلاة إيماناً لأن وجوبها على أهل
١٣٣
الإيمان وقبولها من أهل الإيمان وأداؤها في الجماعة دليل الإيمان.
ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا؟ فنزلت.
ثم علل ذلك فقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ ﴾ مهموز مشبع : حجازي وشامي وحفص.
رؤوف غيرهم بوزن " فعل " وهما للمبالغة.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾ لا يضيع أجورهم، والرأفة أشد من الرحمة وجمع بينهما كما في الرحمن الرحيم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٠
﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ ﴾ [البقرة : ١٤٤] تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة موافقة لإبراهيم ومخالفة لليهود، ولأنها ادعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ﴾ فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا إذا جعلته والياً له، أو فلنجعلك تلي سمتها دون سمت بيت المقدس.
﴿ قِبْلَةً تَرْضَـاهَا ﴾ [البقرة : ١٤٤] تحبها وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها وواقفت مشيئة الله وحكمته.
﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة : ١٤٤] أي نحوه.
وشطر نصب على الظرف أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته لأن استقبال عين القبلة متعسر على النائي.
وذكر المسجد الحرام دون الكعبة دليل على أن الواجب مراعاة الجهة دون العين.
روي أنه عليه السلام قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ثم وجه إلى الكعبة.
﴿ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ ﴾ [البقرة : ١٤٤] من الأرض وأردتم الصلاة ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُا وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة : ١٤٤] أي التحويل إلى الكعبة هو الحق لأنه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه يصلي إلى القبلتين.
﴿ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَـافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة : ١٤٤] بالياء مكي وأبو عمرو ونافع وعاصم، وبالتاء غيرهم.
فالأول وعيد للكافرين بالعقاب على الجحود والإباء، والثاني وعد للمؤمنين بالثواب على القبول.
والأداء.
١٣٤
﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ ﴾ [البقرة : ١٤٥] أراد ذوي العناد منهم ﴿ بِكُلِّ ءَايَةٍ ﴾ [البقرة : ١٤٥] برهان قاطع أن التوجه إلى الكعبة هو الحق ﴿ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ [البقرة : ١٤٥] لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة إنما هو عن مكابرة وعناد مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنك على الحق.
وجواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٤


الصفحة التالية
Icon