إليها فنزلت.
وقيل : هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم.
والفاء للتسبيب والسبب محذوف، ومعناه قد أحللت لكم الغنائم فكلوا ﴿ حَلَـالا ﴾ مطلقاً عن العتاب والعقاب من حل العقال وهو نصب على الحال من المغنوم، أو صفة للمصدر أي أكلاً حلالاً ﴿ طَيِّبًا ﴾ لذيذاً هنيئاً أو حلالاً بالشرع طيباً بالطبع ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٨٨] فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ [البقرة : ٢٣٥] لما فعلتم من قبل ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بإحلال ما غنمتم.
﴿ رَّحِيمٌ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم ﴾ في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم ﴿ مِّنَ الاسْرَى ﴾ [الانفال : ٧٠] جمع أسير من الأساري أبو عمرو جمع أسرى ﴿ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ﴾ [الانفال : ٧٠] خلوص إيمان وصحة نية ﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ ﴾ [الانفال : ٧٠] من الفداء، إما أن يخلفكم في الدنيا أضعافه أو يثيبكم في الآخرة ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الانفال : ٧٠] روي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم مال البحرين ثمانون ألفاً، فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه، وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ منه ما قدر على حمله وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني وأرجو المغفرة، وكان له عشرون عبداً وإن أدناهم ليتجر في عشرين ألفاً وكان يقول : أنجز الله أحد الوعدين وأنا على ثقة من الآخر ﴿ وَإِن يُرِيدُوا ﴾ [الانفال : ٦٢] أي الأسرى ﴿ خِيَانَتَكَ ﴾ نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة أو منع ما ضمنوه من الفداء ﴿ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ ﴾ [الانفال : ٧١] في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه ﴿ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ﴾ [الانفال : ٧١] فأمكنك منهم أي أظفرك بهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن أعادوالخيانة ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٩٥] بالمال ﴿ حَكِيمٌ ﴾ فيما أمر في الحال.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٠
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ [الانفال : ٧٢] من مكة حباً لله ورسوله ﴿ وَجَـاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ هم المهاجرون ﴿ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا ﴾ [الانفال : ٧٢] أي آووهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم وهم الأنصار ﴿ أؤلئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ [الانفال : ٧٢] أي يتولى بعضهم بعضاً في الميراث، وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة وبالنصرة دون ذوي القرابات حتى نسخ ذلك بقوله ﴿ وَأُوْلُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾ [الأحزاب : ٦] وقيل : أراد به النصرة والمعاونة ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ﴾ [الانفال : ٧٢] من مكة ﴿ مَا لَكُم مِّن وَلَـايَتِهِم ﴾ [الانفال : ٧٢] من توليهم في الميراث ﴿ وَلَـايَتِهِم ﴾ حمزة.
وقيل : هما واحد ﴿ مِّن شَىْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ [الانفال : ٧٢] فكان لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر ممن آمن وهاجر، ولما أبقى للذين لم يهاجروا اسم الإيمان وكانت الهجرة فريضة فصاروا بتركها مرتكبين كبيرة، دل على أن صاحب الكبيرة لا يخرج من الإيمان ﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ ﴾ [الانفال : ٧٢] أي من أسلم ولم يهاجر ﴿ فِى الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الانفال : ٧٢] أي إن وقع بينهم وبين الكفار قتال وطلبوا معونة فواجب عليكم أن تنصروهم على الكافرين ﴿ إِلا عَلَى قَوْم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ﴾ [الانفال : ٧٢] فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم لأنهم لا يبتدئون بالقتال، إذ الميثاق مانع من ذلك ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٦٥] تحذير عن تعدي حد الشرع.
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ [الانفال : ٧٣] ظاهره إثبات الموالاة بينهم، ومعناه نهي المسلمين عن موالاة الكفار وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وإن كانوا أقارب وأن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضاً.
ثم قال ﴿ إِلا تَفْعَلُوهُ ﴾ [الانفال : ٧٣] أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضاً حتى في التوارث تفضيلاً لنسبة الإسلام على نسبة القرابة، ولم تجعلوا قرابة الكفار كلا قرابة ﴿ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الارْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الانفال : ٧٣] تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة، لأن المسلمين ما لم يصيروا
١٦٣


الصفحة التالية
Icon