﴿ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [التوبة : ٦٠] فيه فضل وترجيح لهذين على الرقاب والغارمين.
وإنما وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ليدل بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات حاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم، حسماً لأطماعهم وإشعاراً بأنهم بعداء عنها وعن مصارفها، فما لهم وما لها، وما سلطهم على التكلم فيها ولمز قاسمها وسهم المؤلفة قلوبهم سقط بإجماع الصحابة في صدر خلافة أبي بكر رضي الله عنه لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم، والحكم متى ثبت معقولاً لمعنى خاص يرتفع وينتهي بذهاب ذلك المعنى ﴿ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ﴾ [النساء : ١١] في معنى المصدر المؤكد لأن قوله ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ ﴾ [التوبة : ٦٠] معناه فرض الله الصدقات لهم ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ ﴾ [البقرة : ٩٥] بالمصلحة ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في القسمة.
١٩٠
﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾ [التوبة : ٦١] الأذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعة، وإيذاؤهم له هو قولهم فيه ﴿ هُوَ أُذُنٌ ﴾ [التوبة : ٦١] قصدوا به المذمة وأنه من أهل سلامة القلوب والعزة، ففسره الله تعالى بما هو مدح له وثناء عليه فقال ﴿ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ﴾ [التوبة : ٦١] كقولك " رجل صدق " تريد الجودة والصلاح كأنه قيل : نعم هو أذن ولكن نعم الأذن، ويجوز أن يريد هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذن في غير ذلك.
ثم فسر كونه أذن خير بأنه ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴾ [الحاقة : ٣٣] أي يصدق بالله لما قام عنده من الأدلة ﴿ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة : ٦١] ويقبل من المؤمنين الخلص من المهاجرين والأنصار، وعدي فعل الإيمان بالباء إلى الله، لأنه قصد به التصديق بالله الذي هو ضد الكفر به، وإلى المؤمنين باللام لأنه قصد السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقه لكونهم صادقين عنده، ألا ترى إلى قوله ﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾ [يوسف : ١٧] (يوسف : ٧١) كيف ينبو عن الباء ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ بالعطف على ﴿ أُذُنٌ ﴾ ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ : حمزة عطف على ﴿ خَيْرٌ ﴾ أي هو أذن خير وأذن رحمة لا يسمع غيرها ولا يقبله ﴿ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ ﴾ [التوبة : ٦١] أي وهو رحمة الذين آمنوا منكم أي أظهروا الإيمان أيها المنافقون حيث يقبل إيمانكم الظاهر ولا يكشف أسراركم ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين، أو هو رحمة للمؤمنين حيث استنقذهم من الكفر إلى الإيمان ويشفع لهم في الآخرة بإيمانهم في الدنيا ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة : ٦١] في الدارين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٧
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩١
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ [التوبة : ٦٢] الخطاب للمسلمين، وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن أو يتخلفون عن الجهاد ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالحلف ليعذروهم ويرضوا عنهم فقيل لهم ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُا أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة : ٦٢] أي إن كنتم مؤمنين كما تزعمون، فأحق من أرضيتم الله ورسوله بالطاعة والوفاق.
وإنما وحد الضمير لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسول الله
١٩١