﴿ يَغِيظُ الْكُفَّارَ ﴾ [التوبة : ١٢٠] يغيظهم وطؤه ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة : ١٢٠] أي أنهم محسنون والله لا يبطل ثوابهم ﴿ وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً ﴾ [التوبة : ١٢١] في سبيل الله ﴿ صَغِيرَةً ﴾ ولو تمرة ﴿ وَلا كَبِيرَةً ﴾ [الكهف : ٤٩] مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة ﴿ وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا ﴾ [التوبة : ١٢١] أي أرضاً في ذهابهم ومجيئهم وهو كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل، وهو في الأصل فاعل من " ودى " إذا سال ومنه الودي، وقد شاع في الاستعمال بمعنى الأرض ﴿ إِلا كُتِبَ لَهُم ﴾ [التوبة : ١٢٠] من الإنفاق وقطع الوادي ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ ﴾ [النور : ٣٨] متعلق بـ ﴿ كَتَبَ ﴾ أي أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء ﴿ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة : ١٢١] أي يجزيهم على كل واحد جزاء أحسن عمل كان لهم فيلحق ما دونه به توفيراً لأجرهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٣
﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً ﴾ [التوبة : ١٢٢] اللام لتأكيد النفي أي أن نفير
٢١٥
الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح للإفضاء إلى المفسدة ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ ﴾ [التوبة : ١٢٢] فحين لم يكن نفير الكافة فهلا نفر ﴿ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ ﴾ [التوبة : ١٢٢] أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير ﴿ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ ﴾ [التوبة : ١٢٢] ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا المشاق في تحصيلها ﴿ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ ﴾ [التوبة : ١٢٢] وليجعلوا مرمى همتهم في التفقه إنذار قومهم وإرشادهم ﴿ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ١٢٢] دون الأغراض الخسيسة من التصدر والترؤس والتشبه بالظلمة في المراكب والملابس ﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة : ١٢٢] ما يجب اجتنابه.
وقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا بعث بعثاً بعد غزوة تبوك بعد ما أنزل في المتخلفين من الآيات الشداد استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النفير وانقطعوا جميعاً عن التفقه في الدين، فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد، ويبقى سائرهم يتفقهون حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر، إذ الجهاد بالحجاج أعظم أثراً من الجهاد بالنصال.
والضمير في ﴿ لِّيَتَفَقَّهُوا ﴾ للفرق الباقية بعد الطوائف النافرة من بينهم ﴿ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ ﴾ [التوبة : ١٢٢] ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصّلوا في أيام غيبتهم من العلوم.
وعلى الأول الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه ﴿ يَحْذَرُونَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَـاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم ﴾ يقربون منكم ﴿ مِّنَ الْكُفَّارِ ﴾ [التوبة : ١٢٣].
القتال واجب مع جميع الكفرة قريبهم وبعيدهم، ولكن الأقرب فالأقرب أوجب.
وقد حارب النبي صلى الله عليه وسلّم قومه، ثم غيرهم من عرب الحجاز، ثم الشام والشام أقرب إلى المدينة من العراق وغيره، وهكذا المفروض على أهل كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم ﴿ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ [التوبة : ١٢٣] شدة وعنفاً في المقال قبل القتال ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة : ١٩٤] بالنصرة والغلبة.
﴿ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ﴾ [التوبة : ١٢٤] " ما " صلة مؤكدة ﴿ فَمِنْهُم ﴾ فمن المنافقين ﴿ مَّن يَقُولُ ﴾ [العنكبوت : ١٠] بعضهم لبعض ﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـاذِهِ ﴾ [التوبة : ١٢٤] السورة ﴿ إِيمَـانًا ﴾ إنكاراً واستهزاء بالمؤمنين و ﴿ أَيُّكُمْ ﴾ مرفوع بالابتداء وقيل : هو قول المؤمنين للحث والتنبيه ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَـانًا ﴾ [التوبة : ١٢٤] يقيناً وثباتاً أو خشية أ و إيماناً بالسورة لأنهم لم يكونوا
٢١٦
آمنوا بها تفصيلاً ﴿ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة : ١٢٤] يعدون زيادة التكليف بشارة التشريف.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٣


الصفحة التالية