﴿ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [يونس : ١٠٢] يعني وقائع الله فيهم كما يقال أيام العرب لوقائعها ﴿ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنَّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾ [يونس : ١٠٢] ﴿ ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا ﴾ معطوف على كلام محذوف يدل عليه إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم كأنه قيل نهلك الأمم ثم ننجى رسلنا على حكاية الأحوال الماضية ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البقرة : ١٦٥] ومن آمن معهم ﴿ كَذَالِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم ونهلك المشركين وحقاً علينا اعتراض أي حق ذلك علينا حقاً.
ننجي بالتخفيف على وحفص ﴿ قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ ﴾ يا أهل مكة ﴿ إِن كُنتُمْ فِى شَكٍّ مِّن دِينِى ﴾ [يونس : ١٠٤] وصحته وسداده فهذا ديني فاستمعوا وصفه ثم وصف دينه قال :﴿ فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يونس : ١٠٤] أي الأصنام ﴿ وَلَـاكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى يَتَوَفَّـاـاكُمْ ﴾ [يونس : ١٠٤] يميتكم وصفه بالتوفي ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى ويعبدون دون ما لا يقدر على شيء ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس : ١٠٤] أي بأن أكون يعني أن الله أمرني بذلك بما ركب فيّ من العقل وبما أوحى إليّ في كتابه ﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ﴾ [يونس : ١٠٥] أي وأوحي إلى أن أقم ليشاكل قوله أي استقم مقبلا بوجهك على ما أمرك الله أو استقم إليه ولا تلتفت يميناً ولا شمالا
٢٥٥
﴿ حَنِيفًا ﴾ حال من الدين أو الوجه ﴿ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ١٤]
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٥
﴿ يَنفَعُكَ ﴾ إن دعوته ﴿ وَلا يَضُرُّكَ ﴾ [يونس : ١٠٦] إن خذلته ﴿ فَإِن فَعَلْتَ ﴾ [يونس : ١٠٦] فإن دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فكنى عنه بالفعل إيجازاً ﴿ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [يونس : ١٠٦] إذا جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر كأن سائلاً سأل عن تبعة عبادة الأوثان وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك.
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام : ١٧] يصبك ﴿ بِضُرٍّ ﴾ مرض ﴿ فَلا كَاشِفَ لَهُ ﴾ [الأنعام : ١٧] لذلك الضر ﴿ إِلا هُوَ ﴾ [هود : ٥٦] إلاَّ الله ﴿ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ ﴾ [يونس : ١٠٧] عافية ﴿ فَلا رَآدَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس : ١٠٧] فلا رادَّ لمراده ﴿ يُصِيبُ بِهِ ﴾ [يونس : ١٠٧] بالخير ﴿ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [الروم : ٤٨] قطع بهذه الآية على عباده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه والاعتماد إلا عليه ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ ﴾ [يونس : ١٠٧] المكفر بالبلاء ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ المعافي بالعطاء أتبع النهي عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر أن الله هو الضار النافع الذي إن أصابك بضر لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد فكيف بالجماد الذي لا شعور له وكذا إن أرادك بخير لم يرد أحد ما يريده بك من الفضل والإحسان فكيف بالأوثان وهو الحقيق إذاً بأن توجه إليه العبادة دونها وهو أبلغ من قوله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٦
﴿ إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَـاشِفَـاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـاتُ رَحْمَتِهِ ﴾ [الزمر : ٣٨] وإنما ذكر المس في أحدهما والإرادة في الآخر كأنه أراد أن يذكر الأمرين الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير وأنه لاراد لما يريد منهما ولا مزيل لما يصيب به منهما فأوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما والإرادة في الآخر ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله يصيب به من يشاء من عباده ﴿ قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ ﴾ يا أهل مكة ﴿ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ ﴾ [يونس : ١٠٨] القرآن أو
٢٥٦
الرسول ﴿ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى ﴾ [يونس : ١٠٨] اختار الهدى واتبع الحق ﴿ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ ﴾ [يونس : ١٠٨] فما نفع باختياره إلا لنفسه ﴿ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [يونس : ١٠٨] ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه ودل اللام وعلى على معنى النفع والضرر ﴿ وَمَآ أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس : ١٠٨] بحفيظ موكول إلى أمركم إنما أنا بشير ونذير
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٦


الصفحة التالية
Icon