ولأنه أشكل بتارك ﴿ أَن يَقُولُوا ﴾ [العنكبوت : ٢] مخافة أن يقولوا ﴿ لَوْلا أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾ [هود : ١٢] هلا أنزل عليه ما اقترحنا من الكنز لننفقه والملائكة لنصدقه ولم أنزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ ﴾ [هود : ١٢] أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك أن ردوا أو تهاونوا ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود : ١٢] يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل فتوكل عليه وكل أمرك إليه وعليك بتبليغ الوحي بقلب فسيح وصدر منشرح غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦١
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ [السجدة : ٣] أم منقطعة ﴿ افْتَرَاـاهُ ﴾ الضمير لما يوحى إليك ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ ﴾ [هود : ١٣] تحداهم أولا بعشر سور ثم بسورة واحدة كما يقول المخابر في الخط لصاحبه اكتب عشر أسطر نحو ما أكتب فإذا تبين له العجز عن ذلك قال : اقتصرت منك على سطر واحد ﴿ مِّثْلِهِ ﴾ في الحسن والجزالة ومعنى مثله أمثاله ذهاباً إلى مماثلة كل واحدة منها له ﴿ مُفْتَرَيَـاتٍ ﴾ صفة لعشر سور لما قالوا افتريت القرآن واختلفته من عندك وليس من عند الله أرضى معهم العفاف وقال : هبوا.
أني اختلقته من عند نفسي فأتوا أنتم أيضاً بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم فأنتم عرب فصحاء مثلي ﴿ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يونس : ٣٨] إلى المعاونة على المعارضة ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] أنه مفترى ﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [هود : ١٤] أي أنزل ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه واعلموا عند ذلك أن لا إله إلا الله وحده وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم وإنما جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله لكم فاعلموا بعد قوله قل لأن الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين كانوا يحدونهم أو لأن الخطاب للمشركين والضمير في لم يستجيبوا لمن استطعتم أي فإن
٢٦٢
لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على المعارضة لعلهم بالعجز عنه فاعلموا أنما أنزل بعلم الله أي بإذنه أو بأمره ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [هود : ١٤] متبعون للإسلام بعد هذه الحجة القاطعة ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقيناً على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد فهل أنتم مسلمون مخلصون
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَـالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ ﴾ [هود : ١٥] نوصل إليهم أجور أعمالهم وافيه كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق وهم الكفار أو المنافقون ﴿ أُوالَـاـاـاِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ﴾ [هود : ١٦] وحبط في الآخرة ما صنعوه أو صنيعهم أي لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يزيدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا وقد وفي إليهم ما أرادوا ﴿ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٣٩] أي كان عملهم في نفسه باطلاً لأنه لم يعمل لغرض صحيح والعمل الباطل لا ثواب له ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ ﴾ [هود : ١٧] أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة من ربه أي لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم يعني أن بين الفريقين تبايناً بينا وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره كان على بينة من ربه أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام وهو دليل العقل
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٣
﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ ويتبع ذلك البرهان ﴿ شَاهِدٌ ﴾ يشهد بصحته وهو القرآن ﴿ مِنْهُ ﴾ من الله أو من القرآن فقد مر ذكره آنفاً ﴿ وَمِن قَبْلِهِ ﴾ [هود : ١٧] ومن قبل القرآن ﴿ كِتَـابُ مُوسَى ﴾ [هود : ١٧] وهو التوراة أي ويتلو ذلك
٢٦٣


الصفحة التالية
Icon