مجرها ومرساها جملة برأسها غير متعلقة بما قبلها وهي مبتدأ وخبر يعني أن نوحاً عليه السلام أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بأن مجراها ومرساها بذكر اسم الله أي باسم الله إجراؤها وإرساؤها وكان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست.
مجريها بفتح الميم وكسر الراء من جرى إما مصدر أو وقت حمزة وعلي وحفص وبضم الله الميم وكسر الراء أبو عمرو والباقون بضم الميم وفتح الراء ﴿ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ ﴾ [هود : ٤١] لمن آمن منهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ حيث خلصهم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٠
﴿ وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ ﴾ [هود : ٤٢] متصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها بسم الله كأنه قيل فركبوا فيها يقولون بسم الله وهي تجري بهم أي السفينة تجري وهم فيها ﴿ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود : ٤٢] يريد موج الطوفان وهو جمع موجة كتمر وتمرة وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه بدخول الرياح الشديدة في خلاله شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ﴾ [هود : ٤٢] كنعان وقيل يام والجمهور على أنه ابنه الصلبي وقيل كان ابن امرأته ﴿ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ ﴾ [هود : ٤٢] عن أبيه السفينة مفعل من عزله عنه إذانحاه وأبعده أو في معزل عن دين أبيه ﴿ يَـابُنَىَّ ﴾ بفتح الياء عاصم اقتصاراً عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة من قولك يا بنيا.
غيره بكسر الياء اقتصاراً عليه من ياء الإضافة ﴿ ارْكَب مَّعَنَا ﴾ [هود : ٤٢] في السفينة أي أسلم واركب ﴿ وَلا تَكُن مَّعَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [هود : ٤٢] ﴿ قَالَ سَـاَاوِى ﴾ [هود : ٤٣] ألجأ ﴿ إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَآءِ ﴾ [هود : ٤٣] يمنعني من الغرق ﴿ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَن رَّحِمَ ﴾ [هود : ٤٣] إلا الراحم وهو الله تعالى أولاً عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله أي إلا مكان من رحم الله من المؤمنين وذلك أنه لما جعل الجبل عاصماً من الماء قال له لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحم الله ونجاهم يعني السفينة
٢٧١
أو هو استثناء منقطع كأنه قيل ولكن من رحمه الله فهو المعصوم كقوله مالهم به من علم إلا اتباع الظن ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ ﴾ [هود : ٤٣] بين ابنه والجبل أو بين نوح وابنه ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [هود : ٤٣] فصار أو فكان في علم الله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧١
﴿ وَقِيلَ يَـا أَرْضُ ابْلَعِى مَآءَكِ ﴾ انشفى وتشربي، والبلع : النشف ﴿ وَيَـاسَمَآءُ أَقْلِعِى ﴾ [هود : ٤٤] أمسكي ﴿ وَغِيضَ الْمَآءُ ﴾ [هود : ٤٤] نقص من غاصه إذا نقصه وهو لازم ومتعد ﴿ وَقُضِىَ الامْرُ ﴾ [هود : ٤٤] وأنجز ما وعد الله نوحاً من إهلاك قومه ﴿ وَاسْتَوَتْ ﴾ واستقرت السفينة بعد أن طافت الأرض كلها ستة أشهر ﴿ عَلَى الْجُودِىِّ ﴾ [هود : ٤٤] وهو جبل بالموصل ﴿ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ ﴾ أي سحقاً لقوم نوح الذين غرقوا يقال بعد بعداً وبَعَداً إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ولذلك اختص بدعاء السوء والنظر في هذه الآية من أربع جهات من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها فنقول تعالى لما أراد أن يبين معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد وأن نقطع طوفان المساء فانقطع وأن نغيض الماء النازل من السماء فغيض وأن نقضي أمر نوح وهو إنجاز ما كنا وعدناه من إغراق قومه فقضى وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت وأبقينا الظلمة غرقى بنى الكلام على تشبيه المراد بالأمر الذي لا يأتي منه لكمال هيبته العصيان وتشبيه تكون المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود تصويراً لاقتداره العظيم وأن السماوات والأرض منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة لإرادته فيها تغييراً وتبديلاً كأنها عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته وأحاطوا علماً بوجوب الإنقياد لأمره والإذعان لحكمه وتحتم بذل المجهود عليهم في تحصيل مراده ثم بنى على تشبيه هذا نظم الكلام فقال عز وجل ﴿ وَقِيلَ ﴾ على سبيل المجاز على الإرادة الواقع بسببها قول القائل وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد وهو يا أرض ويا سماء ثم قال مخاطباً لهما يا
٢٧٢


الصفحة التالية
Icon