﴿ مِن دُونِهِ ﴾ أي من إشراككم آلهة من دونه والمعنى إني أشهد الله أني برىء مما تشركون واشهدوا أنتم أيضاً إني برىء من ذلك وجىء به على لفظ الأمر بالشهادة كما يقول الرجل لمن يبس الثرى بينه وبينه أشهد على أني لا أحبك تهكما به واستهانة بحاله ﴿ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ﴾ [هود : ٥٥] أنتم وآلهتكم ﴿ ثُمَّ لا تُنظِرُونِ ﴾ [هود : ٥٥] لا تمهلون فإني لا أبالي بكم وبكيدكم ولا أخاف معرتكم وإن تعاونتم على وكيف تضرني آلهتكم وما هي إلا جماد لا يضر ولا ينفع وكيف تنتقم مني إذا نلت منها وصددت عن عبادتها بأن تخبلني وتذهب بعقلي ﴿ إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلا هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ ﴾ [هود : ٥٦] أي مالكها، ولما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم ومن كون كل دابة في قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه والأخذ بالناصية تمثيل لذلك ﴿ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [هود : ٥٦] إن ربي على الحق لا يعدل عنه أو إن ربي يدل على صراط مستقيم ﴿ فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ﴾ [هود : ٥٧] هو في موضع فقد ثبتت الحجة عليكم ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ [هود : ٥٧] كلام مستأنف أي ويهلككم الله ويجىء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم ﴿ وَلا تَضُرُّونَهُ ﴾ [هود : ٥٧] بتوليكم ﴿ شيئا ﴾ من ضرر قط إذ لا يجوز علي المضار وإنما تضرون أنفسكم ﴿ إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود : ٥٧] رقيب عليه مهيمن فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم أو من كان رقيباً على الأشياء كلها حافظاً لها وكانت الأشياء مفتقرة إلى حفظه عن المضار لم يضر مثله مثلكم
٢٧٨
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٨
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ ﴾ [هود : ٥٨] وكانوا أربعة آلاف ﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ [هود : ٩٤] أي بفضل منا لا بعملهم أو بالإيمان الذي أنعمنا عليهم ﴿ وَنَجَّيْنَـاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [هود : ٥٨] وتكرار نجينا للتأكيد أو الثانية من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه ﴿ عَادٌ جَحَدُوا ﴾ [هود : ٥٩] إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا ثم استأنف وصف أحوالهم فقال :﴿ جَحَدُوا بِـاَايَـاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ ﴾ [هود : ٥٩] لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله لا نفرق بين أحد من رسله ﴿ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [هود : ٥٩] يريد رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل لأنهم الذين يجبرون الناس على الأمور ويعاندون ربهم ومعنى اتباع أمرهم طاعتهم ﴿ وَأُتْبِعُوا فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [هود : ٦٠] لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين ﴿ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِّعَادٍ ﴾ [هود : ٦٠] تكرار ألا مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم تهويل لأمرهم وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم والدعاء ببعداً بعد هلاكهم وهو دعاء بالهلاك للدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له ﴿ قَوْمِ هُودٍ ﴾ [هود : ٦٠] عطف بيان لعاد وفيه فائدة لأن عادا عادان الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم والأخرى إرم ﴿ الارْضِ ﴾ لم ينشئكم منها إلا هو وإنشاؤهم منها خلق آدم من التراب ثم خلقهم من آدم ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود : ٦١] وجعلكم عمارها وأراد منكم عمارتها أو استعمركم من العمر أي أطال أعماركم فيها وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من الظلم فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى
٢٧٩
إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ فاسألوا مغفرته بالإيمان ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ ﴾ [هود : ٦١] داني الرحمة ﴿ مُّجِيبٌ ﴾ لمن دعاه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٩