﴿ فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [هود : ١١٦] فهلا كان وهو موضوع للتحضيض ومخصوص بالفعل ﴿ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ ﴾ [هود : ١١٦] أولوا فضل وخير وسمى الفضل والجود بقية لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلاً في الجودة والفضل ويقال : فلان من بقية القوم أي من خيارهم، ومنه قولهم : في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا ﴿ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الارْضِ ﴾ [هود : ١١٦] عجب محمداً عليه السلام وأمته أن لم يكن في الأمم التي ذكر الله إهلاكهم في هذه السورة جماعة من أولى العقل والدين ينهون غيرهم عن الكفر والمعاصي ﴿ إِلا قَلِيلا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ [هود : ١١٦] استثناء منقطع أي ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي ومن في ممن أنجينا للبيان لا للتبعيض لأن النجاة للناهين وحدهم بدليل قوله :﴿ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّواءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الأعراف : ١٦٥].
﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود : ١١٦] أي التاركون للنهي عن المنكر وهو عطف على مضمر أي إلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتهم فهو عطف على نهوا ﴿ مَآ أُتْرِفُوا فِيهِ ﴾ [هود : ١١٦] أي أتبعوا ما عرفوا فيه التنعيم والترفه من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذوه وراء ظهورهم ﴿ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود : ١١٦] اعتراض وحكم عليهم بأنهم قوم مجرمون ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى ﴾ [هود : ١١٧] اللام لتأكيد النفي ﴿ بِظُلْمٍ ﴾ حال من الفاعل أي لا يصح أن يهلك الله القرى ظالماً لها ﴿ وَأَهْلُهَا ﴾ قوم ﴿ مُصْلِحُونَ ﴾ تنزيها لذاته عن الظلم وقيل الظلم الشرك أي لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فساداً آخر ﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [هود : ١١٨] أي متفقين على الإيمان والطاعات عن اختيار ولكن لم يشأ ذلك وقالت المعتزلة.
وهي مشيئة قسر، وذلك
٢٩٩
رافع للابتداء فلا يجوز ﴿ وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود : ١١٨] في الكفر والإيمان أي ولكن شاء أن يكونوا مختلفين لما علم منهم اختيار ذلك
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٩
﴿ إِلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود : ١١٩] إلا ناساً عصمهم الله عن الاختلاف فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه ﴿ وَلِذَالِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود : ١١٩] أي ولما هم عليه من الاختلاف فعندنا خلقهم للذي علم أنهم يصيرون إليه من اختلاف أو اتفاق ولم يخلقهم لغير الذي علم أنهم سيصيرون إليه كذا في شرح التأويلات ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ﴾ [الأعراف : ١٣٧] وهي قوله للملائكة لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } لعلمه بكثرة من يختار الباطل ﴿ وَكُلا ﴾ التنوين فيه عوض من المضاف إليه كأنه قيل وكل نبأ وهو منصوب بقوله ﴿ نَّقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ [يوسف : ٣] وقوله :﴿ مِنْ أَنابَآءِ الرُّسُلِ ﴾ [هود : ١٢٠] بيان لكل وقوله :﴿ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود : ١٢٠] بدل من كلا ﴿ وَجَآءَكَ فِى هَـاذِهِ الْحَقُّ ﴾ [هود : ١٢٠] أي في هذه السورة أو في هذه الأنباء المقتصة ما هو حق ﴿ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود : ١٢٠] ومعنى تثبيت فؤاده زيادة يقينه لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب ﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود : ١٢١] من أهل مكة وغيرهم ﴿ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ [هود : ١٢١] على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها ﴿ إِنَّا عَـامِلُونَ ﴾ [هود : ١٢١] على مكانتنا ﴿ وَانتَظِرُوا ﴾ بنا الدوائر ﴿ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ [الأنعام : ١٥٨] أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله تعالى من النقم النازلة بأشباهكم ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [هود : ١٢٣] لا تخفى عليه خافية مما يجري فيهما فلا تخفي عليه أعمالكم ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الامْرُ كُلُّهُ ﴾ [هود : ١٢٣] فلا بد أن يرجع إليه أمرهم وأمرك فينتقم لك منهم.
يُرجع نافع وحفص ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود : ١٢٣] فإنه كافيك
٣٠٠