﴿ يُوسُفَ ﴾ حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله ﴿ أَعْرِضْ عَنْ هَـاذَا ﴾ [هود : ٧٦] الأمر واكتمه ولا تتحدث به ثم قال لراعيل ﴿ وَاسْتَغْفِرِى لِذَنابِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِـاِينَ ﴾ [يوسف : ٢٩] من جملة القوم المعتمدين للذنب.
يقال خطىء إذا أذنب متعمداً وإنما قال بلفظ التذكير تغليباً للذكر على الإناث وكان العزيز رجلاً حليماً قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ ﴾ [يوسف : ٣٠] جماعة من النساء وكن خمساً : امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقي ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها ﴿ فِى الْمَدِينَةِ ﴾ [يوسف : ٣٠] في مصر ﴿ قَالَ مَا ﴾ [يوسف : ٥١] يردن قطفير والعزيز الملك بلسان العرب ﴿ تُرَاوِدُ فَتَـاـاهَا ﴾ [يوسف : ٣٠] غلامها يقال فتاى وفتاتي أي غلامي وجاريتي ﴿ عَن نَّفْسِهِ ﴾ [التوبة : ١٢٠] لتنال شهوتها منه ﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾ [يوسف : ٣٠] تمييز أي قد شغفها حبه يعني خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب ﴿ إِنَّا لَنَرَاـاهَا فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [يوسف : ٣٠] في خطأ وبعد عن طريق الصواب ﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ ﴾ [يوسف : ٣١] راعيل ﴿ بِمَكْرِهِنَّ ﴾ باغتيابهن وقولهن امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها وسمى الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفى الماكر مكره وقيل كانت استكتمتهن سرها فافشينه عليها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٣
﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ [يوسف : ٣١] دعتهن قيل دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات ﴿ وَأَعْتَدَتْ ﴾ وهيأت افتعلت من العتاد ﴿ لَهُنَّ ﴾ ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع
٣١٤
أيديهن على أيديهن فيقطعنها لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده ﴿ مُتَّكَـاًا وَءَاتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ﴾ [يوسف : ٣١] وكانوا لا يأكلون في ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم ﴿ وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ﴾ [يوسف : ٣١] بكسر التاء بصري وعاصم وحمزة وبضمها غيرهم ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُا أَكْبَرْنَهُ ﴾ [يوسف : ٣١] أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الفائق وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدته سارة وقيل أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت، إذ لا يقال النساء قد حضنه لأنه لا يتعدى إلى مفعول، يقال أكبرت المرأة حاضت وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله :
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع
فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
﴿ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ [يوسف : ٣١] وجرحنها كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحتها أي أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن ﴿ وَقُلْنَ حَـاشَ لِلَّهِ مَا هَـاذَا بَشَرًا إِنْ هَـاذَآ إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ حاشا كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء تقول أساء القوم حاشا زيد وهي حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى حاشا لله يراءة الله وتنزيه الله وقراءة ابي عمرو حاشا لله نحو قولك سقيا لك، كأنه قال براءة ثم قال الله لبيان من يبرء وينزه وغيره حاش بحذف الألف الأخيرة والمعنى تنزيه الله من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله ﴿ مَا هَـاذَا بَشَرًا إِنْ هَـاذَآ إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف : ٣١] نفين عنه البشرية لغرابة جماله وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم لما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان
٣١٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٣


الصفحة التالية
Icon